الأربعاء، 22 يونيو 2016

حب يفرقه الجدار للكاتب الصحراوي الناجم حيمد

" حب يفرقه الجدار "للكاتب الناجم حيمد
تنبيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه :
هذه الأسماء و المناطق المذكورة في القصة تم اختيارها عشوائيا فإن تطابقت مع احد فنلتمس العذر :
  " زينبو " فتاة صحراوية ترعرعت و تربت في كنف أسرة صحراوية ذات طابع محافظ و تحديدا في ضواحي مدينة بجدور المحتلة ، وجدت " زينبو " كغيرها من الصحراويين نفسها مفروض عليها نمط عيش ليس كالذي سمعت اهلها يتحدثون عنه ، لأن في الشارع محتل و في القسم محتل بل و ان الذين يحكمون هذه الارض ليسوا اهلها ، شاركت مع أحرار الانتفاضة في عديد الوقفات السلمية  التي ينظمونها  و في التظاهرات المنادية  برحيل الاحتلال و المطالبة بالاستقلال...
  تذهب الايام و تأتي لكي تتلقى " زينبو " استدعاءً هذه المرة ليس من مفوضية الشرطة بل من المفوضية السامية لغوث اللاجئين يقول الاستدعاء أنها مسجلة مع عمتها " مريم " في رحلة زيارة الى مخيمات تندوف تحديدا الى عائلة عمها الشهيد " الحسين " ... و أن الرحلة بعد أسبوع .
   خلال ذلك الاسبوع انفردت " زينبو " بشعور واحد هو الفرحة طبعا ، فرحة مدفوعة بأمران أولهما أنها ستعيش ولو لخمسة أيام ما يعيشه الصحراويون في اللجوء لأنها سمعت الكثير عن بطولاتهم لكن ليس الذي رأى كالذي سمع ، و ثانيهما و ربما هو الاهم أنها سترى و تلتقي و للمرة الأولى بعائلة عمها الشهيد الذي حدثتها جدتها " أم زينة " عن بطولاته الكثير .
   جاء اليوم المنشود و تحديدا أحد أيام الجمعة من ديسمبر 2012 ، سافرت بهم الطائرة الصغيرة التابعة للأمم المتحدة من مطار لعيون الدولي متجهة الى مطار "الرائد فراج"  بتندوف ، كانت أجواء المسافرين انداك تتحدث عن روعة الاستقبال الذي ينظمه أهل المخيم حسب شهادات أشخاص استفادوا من هذه الرحلات سابقا ، الساعة ـ 14:16 ـ زوالا الطائرة تحط الرحال في مطار تندوف ، " زينبو " تلقي بنظرة خجولة من النافذة تغيرت في عينها الاجواء من الاخضرار الناعم الى اصفرار يحكمه طابع مناخي قاسي ، و ربما هي الملاحظة الاولى التي سجلتها " زينبو " في دفتر مخيلتها الصغير ....
   موكب يتكون من عدة سيارات و حافلة تابعة للمفوضية يتجه صوب ولاية أوسرد لكي يجدوا عند الولاية في استقبالهم " الرباب" و ابنها.             " سيد أحمد " ابن الشهيد الحسين الذي سيكون جزاءً كبيرا من موضوعنا اللاحق
  اتجهت بهم سيارة " سيد أحمد " صوب دائرة زوك اين سيجدون في استقبالهم الاهل و الجيران بزغاريد النساء و رقصات أطفال يحملون اللبن و التمر تعبيرا عن فرحتهم بالوافدين الجدد ...
   استطاعت  " زينبو " ان تسترق نظرات في عجالة " لسيد أحمد " وهو يقود السيارة، و أثناء تواجدها في المخيم تبادلا الكثير من النظرات ذات الاحترام المتبادل و الابتسامات المحتشمة التي قد يكون سببها تلاقي الأنظار في نفس الوقت و المكان ...
كان " سيد أحمد " مهتما  "بزينبو " دون غيرها من الزوار و كانت هي ايضا تقدر هذا الاهتمام ، حيث كانت تطلبه ان يأخذها في جولة عبر المخيم أحيانا في السيارة و تارة اخرى مشيا على الاقدام بحكم انها تحب المشي على الرمال .
مساء اليوم الرابع أي اليوم الأخير نظم " سيد أحمد " للزوار رحلة عشاء في كثبان أوسرد الرملية ، تميزت هذه الامسية بطابعها الودي العائلي مع أن في قلب " سيد احمد " و " زينبو " أمر أخر قد يكون أكثر ودية من كونهم أبناء عم ...   نعم هو "الحب"  الذي ارتسم في قلب كل منهم من النظرة الاولى .
   قبل انتهاء السهرة و على ضوء الجمر الخافت ينفرد "سيد أحمد " " بزينبو " و يخبرها انه تشرف بمعرفتها و أنه يتمنى ان يتكرر اللقاء و أن تتجدد رؤية بعضهم البعض ، بادلته نفس الشعور بصوت حزين و دموع لو اعطيت لها شارة الانطلاق لحولت تلك الكثبان وديان ...
صباح اليوم الخامس وهو يوم يعرفه كل الصحراويين بأنه يوم حزن على فراق الاهل و الاحباب ، وهو اليوم الذي أثبت فيه " سيد أحمد " أن دموع الرجال قد تلين أمام مشاعر الحب خاصة أن كان هذا الأخير مدفوعا بقرابة كالذي حصل او بالأحرى يحصل له مع أبنة عمه " زينبو".
   في تمام الساعة التاسعة صباحا جاءت سيارات المفوضية لكي تضع حدا لتلك المشاعر الصادقة  معلنةً بذلك نهاية رحلة العمة " مريم " و ابنة اخيها " زينبو " التي استطاعت أن تحمل معها في حقيبة يدها الصغيرة قلب رجل أرادة له الظروف أن يتخلف عن رحلة حب يفرقه الجدار ، لكن ما جمعته يد الله لن تفرقه يد المحتل.
    لا أحد يظن ولا حتى "سيد أحمد" نفسه أن خمسة أيام تنظمها الأمم المتحدة كانت كفيلة بصناعة هذا الحب المنقطع النظير ....
  بعد أن وصلت " زينبو " الى ارضها تغيرت في عينها الكثير من المسميات حيث أدركت فعلا أن خلف تلك الخيم شعب فضل أن يفترش الرمال و يلتحف السماء إكراما لأرواح الشهداء و رفضا للذل و الهوان ، فزاد بهذا حبها لأهل المخيم عموما و لذلك الشاب المدعو " سيد احمد " بشكل خاص و فريد فهي ترى فيه كل شيء ، تراه الاخ و الصديق و يحبذا لو أصبح الزوج ....
  بعد هذا الفراق الأليم زادت وتيرة الاتصال بين الاثنين مع أن تكلفة الاتصال ثقيلة على كليهما "فسيد احمد" لا يعتمد على مدخول رسمي باستثناء سيارته التي يعمل بها في سلك "البساجة" الشهير و "زينبو" ليست افضل حال منه لأنها "لن تجني من الشوك العنب" فهي تعيش في ارض محتلة ...
   في ظل هذه الاتصالات كانت "زينبو" تحاول دائما إقناع "سيد احمد " بالمجيئ ولو لبضعت أيام تراه و يرى هو أهله و ذويه ، لكن هذا الأخير كان دائما يتحجج بحجج رأت "زينبو" أنها مقنعة  و لعل أبرزها أنه لو ذهب فمن سيترك مع "الرباب" ؟؟؟
  في بداية شهر أبريل استطاعت "زينبو" اخيرا ان تقنع "سيد احمد" بالقدوم الى المناطق المحتلة ، مع أن هذا الموقف لم يأت بصفة ارتجالية أو عشوائية و انما تطلب ثلاثة أشهر من الترجي الصادق الذي دعمه طرف ثالث استعانة به "زينبو" كان له الفضل في اقناع "الرباب" و طمأنت"سيد احمد" بأن امه ستكون بخير مع اهلها ، انها الفتاة الجامعية "الغالية" التي عاشت قصة حب الاثنين و دعمت هذا الحب الذي رأت فيه الصدق و الصفاء ، نعم هي "الغالية" التي وجد فيها "سيد أحمد" المكان الوحيد الذي يشكوا له شوقه و التي وجدت فيها ايضا "زينبو" الصديقة الوفية التي كانت تتواصل معها عبر مواقع التواصل تلك التي لا يفقهها "سيد احمد" ...
  وافقت أخيرا بل و دعمت الرباب سفر ابنها الى ارضه و ان من حقه معرفة ذويه الذين حرمه العدو من رؤيتهم ...
   ذهب "سيد احمد" في رحلته محملا بنقيضان قلَ ما يجتمعان في قلب الرجل ، أحدهما همه و تفكيره في أمه و الأخر شوقه و حنينه لوطنه الذي تمثل في صورة "زينبو" ...
  وصل "سيد احمد" الى منطقة "بئر ام اقرين" اين سيعمل على استخراج ما يلزمه من وثائق للسفر ، وثائق اتعبت جل الشعب الصحراوي ليس كرها في بطاقة التعريف "الصفراء" ولكن املا في زيارة الاهل و الاوطان في ظل سياسة الجمود التي مست كل شيء الا قلوب العشاق ...
   أخرج "سيد احمد" تلك الوثائق بعد شهر من معاناة حقيقية عاشها و هو ينتظر طوابير الباحثين مثله عن وثائق تساعدهم في لملمة شمل فرقته الة الحرب الوحشية لكي تجمعه أوراق موريتانية ...
    سافر أخيرا الشاب "سيد احمد" متجها صوب "نواذيبو" المحطة الاخيرة التي تستنزف ما تبقى من جهد و مال لكنها تبقى ضرورية لإكمال معاناة الحب الذي يفرقه الجدار ...
   اخيرا وصل لأهله و ارضه و تمكن من رؤية "زينبو" قدر ما يشاء بل كانت هي ايضا تبادر لتنظيم رحالات عائلية عسى ان تشابه تلك التي نظمها "سيد احمد" على كثبان اوسرد الرملية ، زاد و ترعرع هذا الحب الذي أصبح واضحا للجميع حتى لكبار العائلة ، الأمر الذي جعل "سيد احمد" يدرك انها الفترة المناسبة للتقدم "لزينبو"  التي صارحها بعد أن اخذت له "الغالية" موافقة "الرباب" عبر الهاتف مع جملة من الشروط كان أهمها "يا بني عليك ان تقنعها بالعودة معك فمن لي غيرك؟؟" ...
    تمت تلك المقابلة الثنائية التي كانت محسومة النتيجة قبلا و هي القبول طبعا مع العودة الى قرار الاهل تقول "زينبو" خاصة في ما يتعلق بجانب الانتقال الى مخيمات تندوف و الاقامة هناك .
  كان "سيد أحمد" ينتظر قرار الاهل الذي لم يراوده ادنى شك بأنهم سيوافقون كونهم يعلمون بحاله و حالة أمه الرباب فحتما سيوافقون على الزواج و على شرط الانتقال الى المخيم ...
    بعد يومين أي بعد المشاورات غير المباشرة و ذات الطابع المحتشم بين "زينبو" و اهلها خرجت العائلة بنتيجة ، لم تجد "زينبو" وسيلة أو الية قادرة على وصف الموقف سوى الدموع التي قابلت بها "سيد أحمد" ، هذا الاخير الذي ادرك من عيني محبوبته أن سفينة توقعاته كانت تسير عكس تيار الاهل و الاحباب ، فالأهل لا يردون لابنتهم الاقامة بعيدا عنهم بل يقترحون حلا آخر يرون أنه أكثر ملاءمة يقولون فيه " ان يأتي للإقامة هو و أمه معنا هاهنا و يتزوج من يشاء ..."
  رأى "سيد أحمد" أن إقامته لن تطول بل بدأ يفكر في العودة ليست عودة الخيبة و لكن عودة الى ديار الصمود التي مفادها أن الحب هو حب الوطن و أن عهد الشهيد الحسين لا يجب أن يدنس و ان كان لابد له من ذلك فليس من أبنه الوحيد ولتنكسر جميع قواعد الحب امام معاناة الشعوب و امام عشرات الالاف من امثال الرباب ...
   جاء اليوم الذي يودع فيه أهله و ذويه لكن الوداع الاكثر حرقة هو وداع الطرف الاخر الذي ارتسمت على خدها تجاعيد الانكسار تلك التي سالت مع طوفان دموع العناق الاخير الذي عزفه "سيد أحمد" بصوته الحزين و هو يقول "هذا قدرنا ، الله يجمع الشمل" ...
  رحل "سيد أحمد" و رحلت معه أخر أوراق الحب التي كانت تنتظرها "زينبو" أن تنمو و تزهر ، لكن شاءت الاقدار ان تقتطفها يد الجلاد قبل يد المقاتل ابن الشهيد الذي وجد نفسه مجبرا على العودة نفس المسافة التي اتى معها لكن هذه المرة محملا بهموم  الحب و مرارة الوطن المسلوب الذي جعل الحبيب يضحي بحبيبته  و جعل الاهل يتنكرون لابنهم ...
  وصل "سيد أحمد" الى المخيمات و بداء حياته كما كانت لكن ما يكنه في نفسه لتلك الفتاة المدعوة "زينبو" لم يتغير فظل يتصل بها و هي كذلك لكي تنتهي قصة حب أخرى دون بلوغ المقصود معلنين بذلك جبهة اخرى من جبهات القتال هذه المرة بين الحب و الجدار ...
فعسى أن يرحم العالم نفوس عشاق تتألم ولا تتكلم
النـــــــــــــــــــــــــــــــــهاية
بقلم : الناجم حيمد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق