الاثنين، 31 أكتوبر 2016

القراءة تجربتنا الأولى والأخيرة



يقول عباس محمود العقاد؛"لست أهوى القراءة لأكبر ولاأهوى القراءة لأزداد عمرا في تقدير الحساب،بل أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة في هذه الدنيا،وحياة واحدة لاتكفيني "،كما كتب العقاد عن تجربته في القراءة،فقد كانت سبيل كل الأدباء والعظماء نحو تسلق قمم العلم،وفي المقابل نجد الإنسان أصبح ينفر منها،بدواعي ودوافع لا تمت للغاية التي تسعى بها الإنسانية وهي المعرفة والنهضة.
ولو نظرنا إلى تجارب العلماء والأدباء في كيفية القراءة،لرأينا إختلافا عظيما،إلا أنه إجتمع على التمسك بالكتب كدليل نحو إكتشاف ذاتهم وطريق تفتح بها أبواب الثقافة أمامهم.
 جميع الأدباء،حملو الكتاب ،كما حملو أحلاهم ،بحب وشغف ؛
فقد روي عن أبوبكر الرازي أنه كان في كل مساء يضع سراجه في مشكاة حائط يواجهه وينام في فراشه على ظهره ممسكا بالكتاب،حتى إذا غلب عليه النوم،وهو يقرأ سقط الكتاب على وجهه ليوقظه حتى يكمل قرائته.
وأما الفيلسوف برناردشو والذي عان من الحرمان من التمدرس، فكان دافعا له  كبير للقراءة حتى يعوض هذا النقص،وكان يحتفظ في الكتاب بيده،حتى وهو يغير ملابسه.
وأما فيلسوف العرب إبن رشد فعكف على القراءة والكتابة ،إذ يروى عنه أنه لم ينقطع عن القراءة إلا في ليلتين ،إحداهما يوم وفاة والده،والثانية ليلة زواجه.
ولقد كان الإغريق يستعملون القراءة للعلاج،حتى كتبو على كبرى مكتباتهم"هذا مكان لشفاء الروح"،وإستمر التداوي بالقراءة فبعد الحرب العالمية الثانية،إستعملت كدروس أدبية تعطى للمجروحين والسجناء.
ولهذا فليس للقراءة طقوس معينة،تختبئ من ورائها،بل بالعكس القراءةهي فعل يقودنا نحو الإمتلاء الفكري والثقافي والإنساني.
ولقد تنوعت مصادر القراءة،بفعل الثورة التقنية التي شهدها العصر،وبدأ الإهتمام بها يقل وكان لعامل عصر السرعة دور في ذلك.
فبالرغم من إنتاج الكتاب الإلكتروني ،والذي بدأت بداياته في أوائل التسعينات،والذي عرفته إحدى دور النشر الإلكترونية على موقعها؛"بأنه أسلوب لقراءة الكتب والسجلات على شاشة الكمبيوتر بطريقة مذهلة ومريحة للقارئ"،وتكمن هذا الراحة،في سرعة تفحص الكتاب والإنتقال السلس بين محتواياته التي يقدمها،كما في خدمة العثور على الكتب عبر العالم ،عبر التحميل السريع،وفي المقابل نجد تخوفا من لدن نقاد الكتب الإلكترونية ،حول ماهية إندثار الكتاب الورقي،هذا الأخير الذي يعرف ولازال يعرف إهتماما لاينازعه عليه أحد،فقد وصفه عميد الأدب طه حسين "بزاد الشعب" لما يحويه من تجارب  ٱلاف السنين لمختلف الثقافات،والتجارب الإنسانية،وعمق صلته بالإنسان،والتي تناقلتها الأجيال،فهو الذي قيد به العلم ،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم؛"قيدو العلم بالكتابة".
والقارئ الحقيقي لايختار طريقة قرائته،بل هي التي تختاره،إنه يراى أمورا يعينها قد حدثت في زمن ومكان ما،يبحث عن منافذ العلم،ويتتبع طريق الزاد،ليستنتج منها مايعينه على ركوب أمواج تجاربه في الحياة،وما الدافع  الأقوى للكتب هوجعلها مفتاح للذهن،تعينه على إكتشاف الحقائق والمعارف بنفسه.
علينا أن ندرك أنه بالرغم من تنوع أشكال القراءةومصادرها فإننا بحاجة إلى الإحساس أكثر بأهمية الكتب،وتذوقها والدخول في حياتها،وإستشعار جماليتها،والروح التي ستفصلنا عن الظلام وعن الجهل وتقودنا نحو النور والحياة التي سنعيشها بسعادة حتى وإن كثرت المحن وتفاقمت الأزمات،ففيها يقتذي الإنسان طريق الحق،يقول الفيلسوف الألماني شوبنهاور ؛"لم يمر بي أي محنة لم تخفها ساعة أقضيها في القراءة".

الأربعاء، 26 أكتوبر 2016

حوار دار الأوطان الجزائرية للنشر والتوزيع ضمن معرض الجزائر الدولي للكتاب؛

حوار دار الأوطان الجزائرية للنشر والتوزيع ضمن معرض الجزائر الدولي للكتاب؛
إستطاعت معارض الكتب أن تسد الفراغ المتحكم في الساحة الثقافية،نتيجة إنهدام حركة التواصل الفكري التي لاتشهدها الحركة الأدبية إلا بمعارض الكتب،وبناء منظومة متماسكة لمشروع ثقافي ،يحكمه الفكر والإنجاز.
من هنا إمتزج تعزيز القراءة في المجتمع وتشجيعها بفتح أفاق عدة للتواصل الثقافي والفكري وإتاحة فرصة فريدة للقارئ العربي والجزائري بشكل خاص،للإطلاع على الإنتاجات الأدبية والفكرية العالمية،فكانت هذه أهم الأهداف   التي تأسس من أجلها معرض الجزائر الدولي للكتاب،كما لم يغيب عن غايته بأن يصنع من الكتاب وسيطا قويا نحو المعرفة والتلاقح الفكري بين مختلف الثقافات.
تحت شعار"الكتاب إتصال دائم"،تستعد الجزائر لإفتتاح صالونها الدولي للكتاب في دورته 21، والذي ينطلق إبتداءامن  26أكتوبر الجاري إلى غاية 5نوفمبرالمقبل، ،حيث تشارك فيه أكثر من 900دور نشر دولية،بينها ماهو أجنبي وماهو عربي،أما الجزائر التي تستضيف الدورة فقد شاركت ب 290دور نشر،كما تشهد حضور كتاب ومؤلفين كبار ،وتحتفي  الجزائر هذه الدورة  بمصر كضيف شرف في الصالون،وذلك تتويجا لها، بذكرى الراحل الأديب نجيب محفوظ  أول نوبل عربية.
ولما لهذا المعرض من دور أساس في الترويج وتشجيع الدار المحلية ،تشارك دار الأوطان الجزائرية للنشر والتوزيع،والتي يرأسها المؤلف الطاهر يحياوي،والذي يجيبنا عن أسئلة تدور حول الأديب والدار المحلية ومساهمتهما في إغناء معرض الكتاب.
سؤال :بداية أستاذ ماهي دار الأوطان وماهو حجم مشاركتها بالمعرض؟
الطاهر يحياوي:
دار الاوطان رسالة قبل ان تكون تجارة وراية تحمل في ابعادها العمق الحقيقي للإبداع من خلال تبنيها لأدباء شباب جدد لأنها تؤمن بان ميلاد مبدع واحد هو مؤسسة معرفية وإبداعية وإضافة نوعية عالية لمنظومة الكتاب والمبدعين الجزائريين.
دار الاوطان لمؤسسها الاديب الطاهر يحياوي الدي خاض تجربة ثرية من خلال الاعلام الأدبي في جريدة المساء والذي تولد عنه جموع من الكتاب والادباء هم الأن في واجهة الإبداع والثقافة الجزائري،ومن خلال تجربة بكر لرابطة إبداع حيث كان رئيسا لها والتي كانت قوة ميدانية ضاربة في الساحة الثقافية والإبداعية بشهادة من عايشوها والتي تركت بصمة قوية ومتميزة في الساحة الثقافية.
الأوطان هي نتاج معاناة طويلة وتجربة عميقة لانسان يؤمن بان الابداع رسلة خالدة وفاعلة هي الان انطلقت وفي رصيدها الان مايتجاوزال160اصدارا إبداعيا وهو رقم صغير ولكنه بالنسبة لعمرها ولساحة النشر الجزائري رقم يفرض إحترامه وهي الأن ماضية الى الأمام وقد باركها الطيبون والرائعون ولن تقتنع دون ان تكون في طليعة الناشر الجزائري.

سؤال:من خلال تجربتكم في معارض دولية،ماهي أبرز الصعوبات التي تواجه دور النشر المحلية،وهل حجم الدعم الثقافي كافي للحضور على مستويات ثقافية كبرى؟

الطاهر يحياوي: أبرزالصعوبات منها ماهو متعلق بالجانب الإعلامي فالصحافة الخاصة صحافة أصحاب الإشها ر الذين يجمعون الأموال ويكدسونها من باب الإشهار وهم يفتحون الأن قنوات تلفزيونية كالشروق والخبر يعتبرون الثقافة تجارة لذلك لايمدون ايديهم الى دعم الناشر الجزائري على اساس أنه تاجر ولابد أن يدفع لهم وإذا مر كتاب او مؤلف فهو قليل وقديكون لإعتبارات ما.
والجرائد الوحيدة التي لاتبخل عن الثقافة الجزائرية بكل انواعها  هي المساء والشعب والاحرار ولكن للاسف  وهي جرائد منها المساء والشعب حكوميتان  لأن هؤلاء الصحفيين الوجودين في هذه الجرائد مهنيون ويعتبرون خدمة الثقافة خدمة عمومية أما الأخرون فقليل منهم من يعترف بهذا ويعرف كيف يخدم الثقافة،
إذن فالإعلام هو المشكلة الأولى.
كماأضاف الكاتب الطاهر يحياوي حديثه عن الصعوبات:
أما المشكلة الثانية فهي قلة البيع لأن الناس عندما يأتون الى المعرض يتهافتون على الكتاب الاجنبي عربي او غير عربي ويقولون ان الكتاب الجزائري موجود عندنا سنشتري  فيما بعد وفيما بعد لايشترون.
ولهدا نحن نتوجه الى الجمهور الجزائري ونقول  لهم يا أيها الجزائريون الغيورون على الجزائر توجهوا الى اجنحة ناشريكم شجعوهم وقولوا لهم الكلمة الطيبة وادعموهم بما استطعتم  لاتحرجوهم امام الاجانب لأنهم هم الذين يبنون ثقافتكم الجزائرية وثقافة ابنائكم وهم الذين  يثرون مكتبتكم الجزائرية التي ترفه قيمتكم ومكانتكم أمام الاوطان الاخرى وتصبحون في يوم من الايام تقولون لهم إن في مكتبة الجزائر 10مليون كتاب او20مليون.
كما خاطب الجزائريين  ودعاهم إلى الإلتفاف حول الكاتب المحلي ودعمه في مواجهة هذه الصعوبات، حيث قال مخاطبا "  أين ذهب حب الجزائر أين ذهبت الغيرة الوطنية  إلتفتوا الى وطنكم واحضنوه أوليست الجزائر من سالت من اجلها الدماء الحمراء القانية هل أصبحتم تعشقون غيرها واباؤكم قدموا ارواحهم من اجل حبها وعشقها".
وفي سؤال حول مدى نجاح المعرض وتأثيره على المشهد الثقافي الجزائري؟

أجاب الكاتب الطاهر يحياوي :نجاح المعرض الحقيقي سيتجلى من خلال ارتفاع المقروئية وتخصيب الابداع الجزائري والثقافة الجزائري.
إن المعرض الدولي هو مدن من العلم والثقافة والحضارة ترحل إلينا كل عام تخاطبنا وتقدم ماعندها من فكر وإبداع وثقافة وعلم ونحن ندخل هذه المدن الروحية والفكرية التي تحط عندنا ونبدأ نتملى ونتعمق وناخد الكتب ونفهم ونزداد علما ومعرفة.
كما وصف المعرض الدولي  قائلا إن المعرض الدولي خلاصة الثقافة الدولية تأتي إلينا هنا الى بلادنا نأخذ منها نحاورها ونستفيد منها ثم تعود وفي نفس الموعد من كل عام تحمل الجديد وتعود لتعرضه علينا نأخد منه مانأخد ونترك مانترك ومن جهة اخرى هو لقاء لعمالقة الدنيا هاهو المتنبي يلتقي ب نيتشة وهاهو العقاد يلتقي ب برناردشو  وهاهو مالك بن نبي يلتقي بهم وهاهو ابن باديس يطل من هناك  إنه لقاء رائع ومدهش وأثار دلم تظهر مع الايام.

في الأخير ،تحت شعار "الكتاب إتصال دائم":هل في نظرك حققت معارض الكتاب السابقة هذا التواصل الفكري والثقافي بالمجتمع؟

الطاهر يحياوي:المعرض حقق الكثير ولو شكليا فقد أصبح الناس يعدون أنفسهم له ويضعون تاريخه في مفكراتهم لكن بصراحة هناك اشياء كثيرة لابد من إلحاقها ببرنامج المعرض حتى يصبح عرسا شعبيا وهي تلك الأفكار التي تدخله الى الجزائر العميقة الى الشيوخ والى النساء والاطفال وان تتعد فيه مظاهر الاحتفال ليس بالكتاب فقط بل باشياء انساني قريبة من عالم الروح ومشاعر الحب.
كما دعا إلى أن ؛" يكون عرس وطني واحتفالا عاما متنوعا لكل قضايا الروح والانسان حتى يغدو شعبيا ولا يبقى خاصا بفئة الكتاب والطلبة".
يشار إلى أن دار الأوطان ستدخل المعرض ب 60عنوان جديد،ولقاءات ونشاطات لتقديم مؤلفيها للزوار،كما تشارك بثلاث روايات في مسابقة ٱسيا جبار،وتشارك هذه الدور بأهم مؤلفاتها وهو كتاب "أردوغان"للكاتب والإعلامي سعيد مقداد.
شكرا للكاتب الطاهر يحياوي  على إتاحة الفرصة للتعرف أكثر على معرض الجزائر للكتاب.
 هذا الحوار لمجلة أنهار الأ

الاثنين، 11 يوليو 2016

إدواردو غاليانو

‏"أنا لا أطلب منك أن تصف سقوط المطر، أنا أطلب أن تجعلني أتبلل، فكر بالأمر، أيُّها الكاتب!"
صاحب العبارة هو الكاتب الأوروغوياني إدواردو غاليانو ، عمل في الصحافة اليسارية في بلاده فسجن بسبب كتاباته ضد الانقلاب العسكري عام1973وسلك طريق المنفى بعدما منعت كتابته في تلك الفترة التاريخية ،متجولا بين الارجنتين واسبانيا خلال إحدى عشرة سنة.
جمع غاليانو بين الشعر والرواية ولكنه قبل اي شيء ٱخر إبتكر نوع من القصّ التاريخي يقدم للقارئ نبذة معرفية تضيء زوايا معتمة من التاريخ غالبا في سرد صادم وساخر وهذا ماتميزت به رائعته ثلاثية "ذاكرة النار" المنشورة عام 1986 تروي تاريخ اميركا اللاتينية ،حيث مزج فيها الكاتب بين الرواية التاريخية والشاعرية وإستطاع أن يفتح حدوده لأكثر من ذلك.
في العام 2009 قدم  الرئيس الفنزويللي الراحل هيغو تشافيز الى الرئيس الاميركي باراك اوباما، نسخة من كتاب الروائي غاليانو الكلاسيكي "الشرايين المذبوحة لاميركا اللاتينية"يؤرخ فيها الكاتب للاستغلال الاقتصادي لاميركا الجنوبية من قبل الولايات المتحدة خلال خمسة قرون.

الجمعة، 8 يوليو 2016

رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان

إن  غسان كنفاني بأدبه ومصيره المأساوي شكل رمزا بطوليا في العالم فالرجل الوسيم والمثقف الجريئ،الشجاع بقلمه ،المواجه لأعدائه ببسالة،المناضل القوي ،رجل  تتجمع حوله النساء اللواتي انخرطن في النضال على جبهات مختلفة بما فيها الجبهة الثقافية،سقط ذات يوم في الستينيات من القرن الماضي،تحت سطوة الحب،إستطاع أن يمزج بين رائحة بحر يافاو رائحة زهر دمشق،بحب فتاة ديمشقية مسلمة تدعى غادة السمان،
ليتبادلا  رسائل الحب في أوراق كانت هي الحاضنة لهذه العلاقة، والتي نشرتها غادة على كتاب أصدرته عام 1992 في ذكرى المناضل غسان السنوية بعنوان "رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان".
قال لزهرته الدمشقية؛
" عندما أمسكت الورقة لأكتب، كنت أعرف أن شيئا واحدا فقط أستطيع أن أقوله، وأنا أثق من صدقه وعمقه وكثافته، وربما ملاصقته التي يخيل اليّ الآن أنها كانت شيئا محتوما وستظل كالأقدار التي صنعتنا: اني أحبك".
وقفت أمام هذا الحب، العديد من القيود كان أهمها الإجتماعية والدينية،لكن مشاعر غسان كانت أقوى،كان عشقه هو الشعور الوحيد الذي ظل يناضل فيه ،كان يحتضن داخله كل مشاعر الارتباط،الإخلاص والوفاء والتضحيةوالصدق والمثابرة على الحب حتى الموت.
إستشهد بطل قصة حب إستطاعت أن تنفرد في زمانها بروعتها بتفجير  على يد الموساد الصهيوني، مبعثرا كبعثرات حروفه العاشقة ،التي نشرتها غادة في هذه الكتاب، لتقول للعالم أن هذا المناضل الفلسطيني العنيد يحمل بين ثناياه،قلب عاشق وشاعر مرهف الإحساس.
قال لملهمته الدمشقية؛
"‏لا تكتبي لي جوابا،لا تكترثي، لا تقولي شيئا،إنني أعود إليك مثلما يعود اليتيم إلى ملجأه الوحيد و سأظل أعود".
وكأنه كان يعرف أن رسائل غادة ستغيب عن النشر،في هذا الكتاب،بالرغم من أن الذين إنتقدو الغياب هم الذين أثنو على شجاعة أن تطرح هذه الاديبة السورية العملاقة،الكتاب بهذه الجرأة الأنثوية.

الخميس، 30 يونيو 2016

إشكالية الإنسلاخ الثقافي

لم تفرز الخطابات الداعية إلى الإنفتاح اللامحدود رؤى موضوعية دلالية،بل إكتفت بدعوات للتيارات الليبيرالية والإشتراكية في العالم العربي للإنفتاح المنبطح نحو الثقافة الغربية.
إذا كان الغرب يمثل خلفية معرفية وحضارية للمثقفين الجدد،للبحث عن إمكانيات التجديد في الفكر العربي_على حساب الثقافة العربية_فإن المثقف العربي سيدخل في إشكالية ضدية هي التقليد والتجديد،والتقليد هنا يعني إكتشاف الأخر دون النقد الذاتي،وإلغاء للهوية العربية لإستعارة هوية أخرى،أما التجديد فيعني غياب المعرفة والحركة الإنتاجية.
وحتى لايتناقض هذا الإنتماءالعربي وهذا الإكتشاف للغرب،فالمثقف يجب أن يعود ليعطي للذات العربية فرصة تطوير إمكانياتها،نحو الحفاض على الأصالة،حيث تصبح الثقافة العربية نظاما دلاليا يحدد هوية المجتمع العربي في أصالته،تضفي على الخطاب الثقافي دلالة عربية أصلية تعتمد على معرفة،تقنعه بأن الثقافة الغربية أصبحت علامة منهجية ومعرفية تمكن المثقف من المعرفة وتساعده على تحليلي الذات.
بهذه القابلية في تلقي الغرب،سيكون إنتاج معنى التأصيل قريبا من رؤية العالم،من زاوية إختزال كل الفروق بين النحن والٱخر،وهذا مشروط بتأصيل مقايسة بين المجتمع العربي والمجتمع الغربي ،في سياق منظم يؤمن بوجود حضارة عربية من جهة،وحضارة أخرى غربية لها تميزها_أيضا_من جهة أخرى، شريطة تمسك المثقف بإنتماءه الحقيقي الذي يقيه كل تبعية عمياء لهذا الغرب،ويخفف من الدهشة التي أخذت بلبه وهو يكتشف الغرب،بكل فنونه ومظاهره،الموسيقى،والفنون،المسرح،والفسفة،ولم يغب عن هذه الدهشة تمسكه القوي بإحساسه الحضاري المتأصل في الإنسان العربي منذ القدم.
 من هنا كانت أطروحة مالك عبد نبي  لتأكيد حقيقة جوهرية وهي أن كل مجتمع بحاجة إلى تكوين فهم مستقل وخاص به لطبيعة مشكلته الثقافية، أو فكرته عن الثقافة بصورة عامة، وذلك بحسب مرحلته التاريخية،بالشكل الذي يمنع إستيرادها من الخارج،يقول:
"وهذا يعني أن ما يصلح لمجتمع معين في مرحلة معينة من تاريخه، قد تنعدم فائدته تماماً بالنسبة له ".
لقد أهل هذ التباين،للكشف عن دور المثقف الريادي  لقيادة المجتمع  في العالم العربي وذلك ببث الأفكار في المجتمع ، بعد أن يعي مكانه في هذا العالم والعوامل والمتغيرات التي تلعب دوراً في التأثير على المجتمع من تراث هذا المجتمع التاريخي السحيق
، إلى أدق تفاصيل الحياة التي يعيشها مجتمعه بدراسة علمية شاملة ومتخصصة في كل المجالات الإجتماعية والنفسية والإقتصادية والسياسية وأدبية تؤثر في هذا المجتمع ، هذا الفهم وهذه المعرفة تجعله يمتلك الوسيلة الناجعة التي يستطيع من خلالها تطوير هذا المجتمع وتنويره .
إن إنسلاخ المثقف عن أصله العربي،ماهو إلاهوان وخضوع لعقدة النقص التي يعاني منها أمام جبروت هذا الغرب،بهذا العمق من محاولات الإستعارة الغربية تبرز الدعوة للوقوف على عمق المشروع الثقافي العربي والدعوة إلى الحفاظ على تراثه العربي،والإستلهام من هويته التاريخية الخاصة وإستحضارها أثناء إعادة إنتاجها وفق ماتتطلبه ضرورة التطور والنمو والتقدم،دون تجريدها من أصلها العربي.

الأربعاء، 29 يونيو 2016

في داخل كتاب

يعد كتاب "سيرة عيسى بن هشام " من كتب التحليل والنقد الاجتماعي التي برزت في العقد الأخير من القرن التاسع عشر ، وساعد في ظهورها الإستعمار البريطاني أن ذاك ، وكانت معارضة للإحتلال والإحتكاك بالمستعمر، وكان من أشهر المعارضين له الكتاب القوميين ،أهمهم  المويلحي ، فظهر كتابه النقدي للمجتمع  تحت عنوان "حديث عيسى بن هشام ".
ويشكل هذا الكتاب تقدمية في معالجة ٱفات المجتمع الدخيلة ، وذلك بتركيز اهتمامه على المجتمع المصري خلال الفترة التي عاشها المؤلف، وأخضعه للنقد الإجتماعي اللاذع.
وعلى ذلك فإن المويلحي كان ناقدا ثاقبا الفكرة،حادا تجاه مجتمعه  في بداية القرن،حاول الكاتب أن ينتقد مجموعة من الٱفات التي تفتك بمجتمعه،عن طريقة وظيفة تجمع بين التحليل والعرض،حيث إنعكست مظاهر شتى من حياة المجتمع،كما تنعكس مهارته اللغوية في السرد  الروائي النقدي الحديث.

الأحد، 26 يونيو 2016

الوسيلة العمياء

عني الفيلسوف والكاتب الإيطالي نيكولا ميكافيلي،بدراسة الفلسفة السياسة،حيث توسع في مجال بناء أفكاره الفلسفية من التاريخ القديم،والأخذ من الأحداث المعاصرة التي يعيشها بين ظل الحكام والبابويين والكنائس،إبان حكم لورينز دي مديتشي،تم نفي ميكافيلي بسبب جرأته السياسية وأفكاره المطلقة،والتي إستطاع أن يستجمعها في كتاب "الأمير"،كتاب إشتمل على نصائح للحاكم كيف تنال الإمارات وكيف تحفظ وكيف يتفقد؟،لم تحقق النصائح نتائجة تذكر،ظل خلالها الكتاب حبيس النور خمسين عاما لم ينشر إلا بعد موته.
الكتاب كلل يحمل جانبين مهمين الأول إيجابي ،والثاني سلبي، في الجانب الإيجابي  قدم الكاتب لأمير عصره نصائح تمحو القيم والمبادئ من وجهة نظره وهي أهمية الإستقرار والإعتماد على جيش وطني،خالي من المستأجرين _كما وصفهم_إضافة إلى ضرورة تأهب الدولة في وقت السلم،حيث تصبح الدولة على إستعداد دائم للحرب وتكون أقوى من أن تسقط في أتون المعارك،وهذا ماسرده الكاتب وبعض القراءات للكتاب من نقاط إيجابية.
في الجانب السلبي الذي شهد حظا وافرا من الإنتقاد،حيث إنتهى الى رأيه السياسي،يتلخص بعبارة "الغاية تبرر الوسيلة"،والتي إستند فيها ميكافيلي إلى الواقع المنحرف للأكثرية من الناس التي كانت تعيش إبان حكم الأمير،فمهما كانت هذه الوسيلة منافية للدين والأخلاق،وأنكر الكاتب في هذا الكتاب الأخلاق المعترف بها بالنسبة لسلوك الحكام،إذ يرى أن هلاك الحاكم يكون بالتقيد بها لذلك أبدى نصيحته للأمير بقوله:"يجب أن يكون ماكرا مكر الذئب ،وضاريا ضراوة الأسد"،لم يقف ميكافيلي إلى هذا الحد من نكران القيم،بل ذكر أنه ينبغي للحاكم كي يبسط حكمه أن يستعمل الخديعة،تلك التي جردها ميكافيلي من الغاية بل وسيلتها هي الغدر،وهو أداة مشروعة في فكره إذا ماعادت على الحاكم بالفائدة،ولقد بررها بإنتقاد مهين للشعب وهو أنه يصل في السذاجة مايحعله قابل للإستيلاء عليه.
لقد ٱخذ معظم أرباب السياسة من الشرق إلى الغرب ،في هذا الإتجاه الميكافيلي،يذكر أن نابليون وهتلر كانا يعيدان قراء كتابه "الأمير"أكثر من خمس مرات في اليوم،وموسيليني كان لاينام إلا وهو بجانبه،وأما حكامنا العرب فلاشك أن هذا الفكر ٱخذ في الإنتشار بينهم،حيث يتم تبرير الوسائل المنافية لفضائل الأخلاق في نهجهم السياسي والحكامي والسلطوي،بدعوى الغاية تبرر الوسيلة،تلك الوسيلة العمياء التي تقتل.

الأربعاء، 22 يونيو 2016

حب يفرقه الجدار للكاتب الصحراوي الناجم حيمد

" حب يفرقه الجدار "للكاتب الناجم حيمد
تنبيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه :
هذه الأسماء و المناطق المذكورة في القصة تم اختيارها عشوائيا فإن تطابقت مع احد فنلتمس العذر :
  " زينبو " فتاة صحراوية ترعرعت و تربت في كنف أسرة صحراوية ذات طابع محافظ و تحديدا في ضواحي مدينة بجدور المحتلة ، وجدت " زينبو " كغيرها من الصحراويين نفسها مفروض عليها نمط عيش ليس كالذي سمعت اهلها يتحدثون عنه ، لأن في الشارع محتل و في القسم محتل بل و ان الذين يحكمون هذه الارض ليسوا اهلها ، شاركت مع أحرار الانتفاضة في عديد الوقفات السلمية  التي ينظمونها  و في التظاهرات المنادية  برحيل الاحتلال و المطالبة بالاستقلال...
  تذهب الايام و تأتي لكي تتلقى " زينبو " استدعاءً هذه المرة ليس من مفوضية الشرطة بل من المفوضية السامية لغوث اللاجئين يقول الاستدعاء أنها مسجلة مع عمتها " مريم " في رحلة زيارة الى مخيمات تندوف تحديدا الى عائلة عمها الشهيد " الحسين " ... و أن الرحلة بعد أسبوع .
   خلال ذلك الاسبوع انفردت " زينبو " بشعور واحد هو الفرحة طبعا ، فرحة مدفوعة بأمران أولهما أنها ستعيش ولو لخمسة أيام ما يعيشه الصحراويون في اللجوء لأنها سمعت الكثير عن بطولاتهم لكن ليس الذي رأى كالذي سمع ، و ثانيهما و ربما هو الاهم أنها سترى و تلتقي و للمرة الأولى بعائلة عمها الشهيد الذي حدثتها جدتها " أم زينة " عن بطولاته الكثير .
   جاء اليوم المنشود و تحديدا أحد أيام الجمعة من ديسمبر 2012 ، سافرت بهم الطائرة الصغيرة التابعة للأمم المتحدة من مطار لعيون الدولي متجهة الى مطار "الرائد فراج"  بتندوف ، كانت أجواء المسافرين انداك تتحدث عن روعة الاستقبال الذي ينظمه أهل المخيم حسب شهادات أشخاص استفادوا من هذه الرحلات سابقا ، الساعة ـ 14:16 ـ زوالا الطائرة تحط الرحال في مطار تندوف ، " زينبو " تلقي بنظرة خجولة من النافذة تغيرت في عينها الاجواء من الاخضرار الناعم الى اصفرار يحكمه طابع مناخي قاسي ، و ربما هي الملاحظة الاولى التي سجلتها " زينبو " في دفتر مخيلتها الصغير ....
   موكب يتكون من عدة سيارات و حافلة تابعة للمفوضية يتجه صوب ولاية أوسرد لكي يجدوا عند الولاية في استقبالهم " الرباب" و ابنها.             " سيد أحمد " ابن الشهيد الحسين الذي سيكون جزاءً كبيرا من موضوعنا اللاحق
  اتجهت بهم سيارة " سيد أحمد " صوب دائرة زوك اين سيجدون في استقبالهم الاهل و الجيران بزغاريد النساء و رقصات أطفال يحملون اللبن و التمر تعبيرا عن فرحتهم بالوافدين الجدد ...
   استطاعت  " زينبو " ان تسترق نظرات في عجالة " لسيد أحمد " وهو يقود السيارة، و أثناء تواجدها في المخيم تبادلا الكثير من النظرات ذات الاحترام المتبادل و الابتسامات المحتشمة التي قد يكون سببها تلاقي الأنظار في نفس الوقت و المكان ...
كان " سيد أحمد " مهتما  "بزينبو " دون غيرها من الزوار و كانت هي ايضا تقدر هذا الاهتمام ، حيث كانت تطلبه ان يأخذها في جولة عبر المخيم أحيانا في السيارة و تارة اخرى مشيا على الاقدام بحكم انها تحب المشي على الرمال .
مساء اليوم الرابع أي اليوم الأخير نظم " سيد أحمد " للزوار رحلة عشاء في كثبان أوسرد الرملية ، تميزت هذه الامسية بطابعها الودي العائلي مع أن في قلب " سيد احمد " و " زينبو " أمر أخر قد يكون أكثر ودية من كونهم أبناء عم ...   نعم هو "الحب"  الذي ارتسم في قلب كل منهم من النظرة الاولى .
   قبل انتهاء السهرة و على ضوء الجمر الخافت ينفرد "سيد أحمد " " بزينبو " و يخبرها انه تشرف بمعرفتها و أنه يتمنى ان يتكرر اللقاء و أن تتجدد رؤية بعضهم البعض ، بادلته نفس الشعور بصوت حزين و دموع لو اعطيت لها شارة الانطلاق لحولت تلك الكثبان وديان ...
صباح اليوم الخامس وهو يوم يعرفه كل الصحراويين بأنه يوم حزن على فراق الاهل و الاحباب ، وهو اليوم الذي أثبت فيه " سيد أحمد " أن دموع الرجال قد تلين أمام مشاعر الحب خاصة أن كان هذا الأخير مدفوعا بقرابة كالذي حصل او بالأحرى يحصل له مع أبنة عمه " زينبو".
   في تمام الساعة التاسعة صباحا جاءت سيارات المفوضية لكي تضع حدا لتلك المشاعر الصادقة  معلنةً بذلك نهاية رحلة العمة " مريم " و ابنة اخيها " زينبو " التي استطاعت أن تحمل معها في حقيبة يدها الصغيرة قلب رجل أرادة له الظروف أن يتخلف عن رحلة حب يفرقه الجدار ، لكن ما جمعته يد الله لن تفرقه يد المحتل.
    لا أحد يظن ولا حتى "سيد أحمد" نفسه أن خمسة أيام تنظمها الأمم المتحدة كانت كفيلة بصناعة هذا الحب المنقطع النظير ....
  بعد أن وصلت " زينبو " الى ارضها تغيرت في عينها الكثير من المسميات حيث أدركت فعلا أن خلف تلك الخيم شعب فضل أن يفترش الرمال و يلتحف السماء إكراما لأرواح الشهداء و رفضا للذل و الهوان ، فزاد بهذا حبها لأهل المخيم عموما و لذلك الشاب المدعو " سيد احمد " بشكل خاص و فريد فهي ترى فيه كل شيء ، تراه الاخ و الصديق و يحبذا لو أصبح الزوج ....
  بعد هذا الفراق الأليم زادت وتيرة الاتصال بين الاثنين مع أن تكلفة الاتصال ثقيلة على كليهما "فسيد احمد" لا يعتمد على مدخول رسمي باستثناء سيارته التي يعمل بها في سلك "البساجة" الشهير و "زينبو" ليست افضل حال منه لأنها "لن تجني من الشوك العنب" فهي تعيش في ارض محتلة ...
   في ظل هذه الاتصالات كانت "زينبو" تحاول دائما إقناع "سيد احمد " بالمجيئ ولو لبضعت أيام تراه و يرى هو أهله و ذويه ، لكن هذا الأخير كان دائما يتحجج بحجج رأت "زينبو" أنها مقنعة  و لعل أبرزها أنه لو ذهب فمن سيترك مع "الرباب" ؟؟؟
  في بداية شهر أبريل استطاعت "زينبو" اخيرا ان تقنع "سيد احمد" بالقدوم الى المناطق المحتلة ، مع أن هذا الموقف لم يأت بصفة ارتجالية أو عشوائية و انما تطلب ثلاثة أشهر من الترجي الصادق الذي دعمه طرف ثالث استعانة به "زينبو" كان له الفضل في اقناع "الرباب" و طمأنت"سيد احمد" بأن امه ستكون بخير مع اهلها ، انها الفتاة الجامعية "الغالية" التي عاشت قصة حب الاثنين و دعمت هذا الحب الذي رأت فيه الصدق و الصفاء ، نعم هي "الغالية" التي وجد فيها "سيد أحمد" المكان الوحيد الذي يشكوا له شوقه و التي وجدت فيها ايضا "زينبو" الصديقة الوفية التي كانت تتواصل معها عبر مواقع التواصل تلك التي لا يفقهها "سيد احمد" ...
  وافقت أخيرا بل و دعمت الرباب سفر ابنها الى ارضه و ان من حقه معرفة ذويه الذين حرمه العدو من رؤيتهم ...
   ذهب "سيد احمد" في رحلته محملا بنقيضان قلَ ما يجتمعان في قلب الرجل ، أحدهما همه و تفكيره في أمه و الأخر شوقه و حنينه لوطنه الذي تمثل في صورة "زينبو" ...
  وصل "سيد احمد" الى منطقة "بئر ام اقرين" اين سيعمل على استخراج ما يلزمه من وثائق للسفر ، وثائق اتعبت جل الشعب الصحراوي ليس كرها في بطاقة التعريف "الصفراء" ولكن املا في زيارة الاهل و الاوطان في ظل سياسة الجمود التي مست كل شيء الا قلوب العشاق ...
   أخرج "سيد احمد" تلك الوثائق بعد شهر من معاناة حقيقية عاشها و هو ينتظر طوابير الباحثين مثله عن وثائق تساعدهم في لملمة شمل فرقته الة الحرب الوحشية لكي تجمعه أوراق موريتانية ...
    سافر أخيرا الشاب "سيد احمد" متجها صوب "نواذيبو" المحطة الاخيرة التي تستنزف ما تبقى من جهد و مال لكنها تبقى ضرورية لإكمال معاناة الحب الذي يفرقه الجدار ...
   اخيرا وصل لأهله و ارضه و تمكن من رؤية "زينبو" قدر ما يشاء بل كانت هي ايضا تبادر لتنظيم رحالات عائلية عسى ان تشابه تلك التي نظمها "سيد احمد" على كثبان اوسرد الرملية ، زاد و ترعرع هذا الحب الذي أصبح واضحا للجميع حتى لكبار العائلة ، الأمر الذي جعل "سيد احمد" يدرك انها الفترة المناسبة للتقدم "لزينبو"  التي صارحها بعد أن اخذت له "الغالية" موافقة "الرباب" عبر الهاتف مع جملة من الشروط كان أهمها "يا بني عليك ان تقنعها بالعودة معك فمن لي غيرك؟؟" ...
    تمت تلك المقابلة الثنائية التي كانت محسومة النتيجة قبلا و هي القبول طبعا مع العودة الى قرار الاهل تقول "زينبو" خاصة في ما يتعلق بجانب الانتقال الى مخيمات تندوف و الاقامة هناك .
  كان "سيد أحمد" ينتظر قرار الاهل الذي لم يراوده ادنى شك بأنهم سيوافقون كونهم يعلمون بحاله و حالة أمه الرباب فحتما سيوافقون على الزواج و على شرط الانتقال الى المخيم ...
    بعد يومين أي بعد المشاورات غير المباشرة و ذات الطابع المحتشم بين "زينبو" و اهلها خرجت العائلة بنتيجة ، لم تجد "زينبو" وسيلة أو الية قادرة على وصف الموقف سوى الدموع التي قابلت بها "سيد أحمد" ، هذا الاخير الذي ادرك من عيني محبوبته أن سفينة توقعاته كانت تسير عكس تيار الاهل و الاحباب ، فالأهل لا يردون لابنتهم الاقامة بعيدا عنهم بل يقترحون حلا آخر يرون أنه أكثر ملاءمة يقولون فيه " ان يأتي للإقامة هو و أمه معنا هاهنا و يتزوج من يشاء ..."
  رأى "سيد أحمد" أن إقامته لن تطول بل بدأ يفكر في العودة ليست عودة الخيبة و لكن عودة الى ديار الصمود التي مفادها أن الحب هو حب الوطن و أن عهد الشهيد الحسين لا يجب أن يدنس و ان كان لابد له من ذلك فليس من أبنه الوحيد ولتنكسر جميع قواعد الحب امام معاناة الشعوب و امام عشرات الالاف من امثال الرباب ...
   جاء اليوم الذي يودع فيه أهله و ذويه لكن الوداع الاكثر حرقة هو وداع الطرف الاخر الذي ارتسمت على خدها تجاعيد الانكسار تلك التي سالت مع طوفان دموع العناق الاخير الذي عزفه "سيد أحمد" بصوته الحزين و هو يقول "هذا قدرنا ، الله يجمع الشمل" ...
  رحل "سيد أحمد" و رحلت معه أخر أوراق الحب التي كانت تنتظرها "زينبو" أن تنمو و تزهر ، لكن شاءت الاقدار ان تقتطفها يد الجلاد قبل يد المقاتل ابن الشهيد الذي وجد نفسه مجبرا على العودة نفس المسافة التي اتى معها لكن هذه المرة محملا بهموم  الحب و مرارة الوطن المسلوب الذي جعل الحبيب يضحي بحبيبته  و جعل الاهل يتنكرون لابنهم ...
  وصل "سيد أحمد" الى المخيمات و بداء حياته كما كانت لكن ما يكنه في نفسه لتلك الفتاة المدعوة "زينبو" لم يتغير فظل يتصل بها و هي كذلك لكي تنتهي قصة حب أخرى دون بلوغ المقصود معلنين بذلك جبهة اخرى من جبهات القتال هذه المرة بين الحب و الجدار ...
فعسى أن يرحم العالم نفوس عشاق تتألم ولا تتكلم
النـــــــــــــــــــــــــــــــــهاية
بقلم : الناجم حيمد