الاثنين، 16 يناير 2017

قراءة في رواية"قاب قوسين"للكاتبة مرام عبد الرحمن مكاوي

هم الإقتباسات:
"إنسان يكتنفه الغموض ..لايستطيع أن يفتح قلبه للأخرين ليحبوه ويحبهم"
"ترى كم سيكون رائعا لو إستطاع الأطفال أن يختارو جنسهم وقت ولادتهم"
"إياك أن تكون مدمنة لأي شئ..لا لنمط حياة ولا لمأكل أو مشرب أو إنسان ..وبذلك تعيشين حياتك حرة ياابنتي"
"قاب قوسين"بدأت الرواية تحمل في طياتها رحلة فتاة كإنسان داخل إطار أسرتها,فمنذ الصفحات الأولى وضعتنا الكاتبة مرام عبد الرحمن مكاوي ,داخل قضية من قضايا المرأة التي تعاني منها في المجتمع,فركزت على قضية التنشئة الإجتماعية ,والتمييز بين مكانة كل نوع"ذكرأوأنثى",الذكر المتمثل بالإبن فرج والأنثى البطل في بداية حياته "سارة".
فحظي الجسد الأنثوي بالكثير من الإهتمام عند الدخول لإكتشاف القصة,حيث صورت الكاتبة صورة ذكية للأحكام اللاموضوعية التي أطلقت على المرأة,بناءا على أسس تخدم مصالح مجتمع تعود فيه السلطة للهيمنة الذكورية,وماأفرزته من ظواهر ذات أبعاد إجتماعية ونفسية لدى البطل,إذ يمتلك المجتمع معطيات محددة عن مكانة المرأة مسبقا,دون الأخذ بالإعتبار محاولات تحررها وحضورها الذاتي داخله,مما أسهم عند البطل "سارة"بالوعي بجسدها من هذه العوامل الإجتماعية والنفسية نحو الإنتقال إلى عامل بيولوجي أسهم كثيرا في النقلة القادمة لصفحات الرواية لدى البطل.
"إن النشاط التوقعي للقارئ يشكل مظهرا حيويا لايمكن تجنبه في عملية القراءة"أمبرتو إيكو.
لقد فتح ساري صفحات حياته للقارئ بصورة متوقعة ,عبر معاناته من ماضيه ونظرة المجتمع تجاه حياته السابقة,فكتبت مرام عن عوالم شكلت وجدانه وطريقته في التعاطي مع حياته الجديدة,نحو التخلص من إكراهات المعيش الواقعي الذي يضغط عليه,فصنعت حركة سردية مثقلة بالبعد النفسي و الإجتماعي,بناءا على إستحضار شخصيات أخرى مزجت بين مكونات العلاقات الإجتماعية المعقدة الحب والصداقة,عبر التداخل بين الذاكرتين الفردية والإجتماعية.
وبناءا عليه هذه الرواية إستطاعت أن تبتعد عن مفهوم الكتابة النسائية الذي يهاجمون به النقاد المرأة,كون كتاباتها ماهي إلا مشاعر يتحكم فيها القلب بينما يتم فيه تصنيف الرجل على أنه يكتب بعقله,فكانت مرام تنتزع هذه الصفة البائدة وتتفوق فيها,حيث إستطاعت أن تكتب بعقلها وإدراكها لخطورة القضية وتجذرها في المجتمع,وكان صوت ساري البطل هو مركز العالم الذي هوالأصل الذي إنطلقت منه الرواية. 

نصرخ من الألم ويبتلعنا الصمت...في رواية "أنفاس من ملح"

رواية "أنفاس من ملح"للكاتبة السورية لبابة أبو صالح,رواية في مضمونها قد تبدو للوهلة الأولى عادية في طرحها,إلا أن فكرتها وطرحها المبني على الموضوعية والقراءة الجادة للقضية الأساس جديدا,حيث يتمثل الجديد في جهد لبابة أبو صالح برفض التناول التبسيطي لهذا العمل الأدبي في قضية الصراع بين الزوجين,فتعطي مقاربة لما هو داخلي في الشخصية البطل وبين القضية ,حيث أثبتت أن العمل الإبداعي في فكرته لا في المواد الذي أعطته شكلا.
حشدت لبابة عملها الادبي لكتابة مادة نظرية ,من حيث التركيز على البعد النفسي,الذي هو الأهم تداولا في الرواية,فسلوك الفرد تحدده عوالم نفسية معقدة قد لا يفهمها ولايعرفها الفرد نفسه,كما كانت عليه حالة أمل التي نفرت من زوجها سعيد,فقد أدى سوء معاملة أبيها لوالدتها وشعورها بالوحدة منذ الصغر,نحو تعميم نظرتها على كل الرجال ومنهم زوجها سعيد,فبرودها في التعامل معه ومع عائلته,قد أذى إلى إنصرافه عنها جسديا ,فإمتلأت حياتهم الزوجية باليأس والإحباط فضلا عن الأسى والأفكار السوداء التي كانت تغزو عقل أمل ,وهذا ما جعلها عاجزة عن القيام بدورها الأمومي تجاها إبنتها الوحيدة عفاف,غير الرغبة العاجزة عن تحقيق الحب والحياة الأسرية الطيبة.
كانت لبابة تتمكن من كتابة هذه التفاصيل بدقة,تفاصيل لحياة معقدة,حياة تعبر أمل دون أن تترك لها فرصة للتدبر وحياة يبحث فيها سعيد عن حل أو بالأحرى يحاول إكتشاف أخطاء لم يقترفها أبدا.
لقد كانت الرواية تلك الكتابة التي تبدو فيها الحياة الداخلية للإنسان ظاهرة للملأ,وفي اثناء القراءة تكتشف أي نوع من الروايات تقرأ, لأن النور الذي تريده لبابة أبو صالح أن يدخل في عيون قرائها ,هو البحث في مكامن الذات روحيا ونفسيا لأنها تنبش المشاعر وتعري الحقيقة التي هي بالأصل ليست كثيرة ,هي إستعادة لأناس هامشيين ,عبرو من هذه الحياة بدون ضجة , فبكل هذا الإصرار على التوغل في النفس , إنما هي مقاربة عن مدى القسوة التي تصنعها الحياة الأسرية بالذات, فالعنف الذي يطارد أمل منذ صغرها ,فكانت الكاتبة تكتب وهي متيقنة أنها وضعت اسلوبا سرديا جميلا وجذابا سيخدم القصة الى الأخير, فركزت على الحوارات الداخلية والنفسية للشخصيات الثنائية أيضا,ولم تغفل عن المظاهر الإجتماعية ووقعها في النفوس.
إن من أسرار نجاح هذه الرواية بالأساس ,كانت الشخصية البطل أمل فهي نموذج واقعي وهي فكرة داخلية متواجدة في كل مجتمع وهي الدور الذي به لعبت هذه الرواية في تجديد وتحديث قضية العلاقات الزوجية المتوترة.
إن الكتابة في هذه القضية هو فعل إستحضار للمؤثرات الإجتماعية والبيئية وحضور للذكريات أيضا وقراءة للغة الجسد ومكامن الذات الانسانية ,وهو فعل عسير يبعث ضربا من اللذة الفنية في الرواية ,ففي هذا العمل كتبت المؤلفة عن لحظتين مهمين , لحظة الماضي بكل تأثيراته ولحظة الحاضر بكل تفاعلاته وفي كلا اللحظتين أنتجت انفعالا نفسي بينها كمؤلفة وبين القارئ كمتلقي .
دولة بيروكي

السبت، 14 يناير 2017

حوار أجريته مع الكاتب عامر حميو:

"بهار"رواية من داخل الحرب
تعتمد الكتابة الروائية عن الحرب,صورة واقعية نستشف من خلالها عمق المأساة التي يعاني منها إنسان هذه الحرب,فالدلالة التي تأتي إلينا عبر ما راكمته هذه التجربة الإنسانية من أحزان وألام,نحاول وفقها إدراك البعد الأيقوني والجوهري للشخصيات في الرواية,كما تمدنا بأحداث وتفاصيل قد تكون مغيبة عن الرأي العام ,لكنها في الرواية هي قراءة حقيقية لوقائع الحرب ,بمميزات جمالية للرواية.
((تحركت أكرة الباب واطل رأس أشعث, تدلت منه حزمة ضفائر شعر أسود لف بعصابة من جبهة الرأس, واختلط أسفل ذؤابات الضفائر بشعر اللحية المنفوش, وانفرجت شفتا فمه عن صف أسنان, بدت صفراء كلون السماء المغبرة, كانت نظراته مركزة على أيديهن المتشابكة فوق رؤوسهن.
دفع الباب بركبته وبدت إحدى يديه ممسكة ببندقية, وجّه ماسورتها باتجاه مكانهن,ثم تقدم بحذر نحوهن, مثل قط يحاصر فأرا,وأطلت رؤوس من وراءه ترقب المشهد بحذر مثله. وقال أحدهم بنشوة فرح:
- أبو براء..كأني أشم رائحة سبايا)) .رواية بهارص23
من هنا بدأت ماساة بهار,فتاة أيزيدية تتعرض للخطف والإغتصاب في الحرب القائمة بالعراق,هذه الرواية تعتبر أول عمل لكاتبها المؤلف العراقي عامر حميوّ, وحتى يضعنا في صورة إنتاجه الأول وتجربته مع الكتابة بشكل عام كان معه هذا اللقاء:
__القارئ يريد أن يعرف من هو عامر حميوّ الكاتب والإنسان؟
__عامر حميوّ عراقي من محافظة بابل،تولد العام 1964حاصل على الدبلوم في المحاسبة.تقاسمت مع الملايين من العراقيين الظيم والقهر والبطش وإستلاب الحرية والعوز والعري كل سنين الحصار وقبلها سني القمع الفكري في ثمانينيات القرن المنصرم،أوجدت لي مثل غيري خزين تجربة مؤلمة لو تسنى لغيري ان يمتلك ناصية الرسم بالكلمات لكنت ازاء وصفه مثل نقطة في بحر، فبقدر المأساة التي تقع يكمن داخل كل انسان اروع الروايات.  

__الكتابة الأولى دائما تعيدنا للكتابة مرات عدة حتى نتأكد من جماليتها,ماهي تجاربك الكتابية ومحاولات كتابتك الأولى؟
__ولدت في بيت يمتلك مكتبة ثرية في الرواية والقصة القصيرة والبحوث ودواوين الشعر وكتب اخرى عن علم الاجتماع وعلم النفس،فصادقت الكتاب، ومنحني الرفقة وانا ابن العاشرة من عمري،وفي الوقت الذي كان فيه اقراني يتمنون ان يكونوا اطباء ومهندسين ومدرسين وطيارين،أنا تمنيت ان أكون قاصا وروائيا،وفي عمر الخامسة عشر جربت ان اكتب القصة القصيرة،لكني بعد هذا الوقت بسنوات قليلة،انضممت لتنظيم سري يعنا بالادب والفكر ويحارب ايديولوجية السلطة وقمعها الفكري في زمن الثمانينيات،واعتقلت بعد سنة ونصف انا وكل المجموعة فأضيف لمخزون تجربة الصغير بعدا آخر إسمه عالم مواجهة الذات وحيدا،منحني خزين صورعن بشاعة ظلم الحاكم وجبروته،إزاء من يعارضه حتى فكريا،وانا لهذا اليوم ادين لتلك التجربة بالعرفان لانها ابعدتني لاحقا عن التغني بالذات ونرجسيتها،فزخرت اقاصيصي التي نشرت لاحقا بقدرة فائقة على وصف الالم عند الاخرين،بعد الاعتقال توقفت بضع سنوات عن الكتابة،لكني لم افارق رفيقي الكتاب ابدا، ثم في العام 1986 لاحظت ان اسلوبي في الكتابة بدأ بالنضج والتماسك،فكتبت قصة قصيرة في الادب الانساني،موضوعتها الحرب،قدمتها لمجلة الطليعة الادبية فاشترطوا لنشرها ان أسمّي الابطال ببلدانهم حتى يضيفوني لما كان يطلق عليه في ذلك الحين(ادباء قادسية صدام)،اخذت قصتي ولم انشرها،وشائت الظروف ان تَنجو القصة كل مدة طمر كتب مكتبتي تحت تراب الارض،خوفا من السلطة،والقصة لازالت بحوزتي سالمة مع اقاصيص اخرى سانشرها قريبا في مجموعة قصصية.

__هل كانت بهار تنتظر كل هذا الوقت للكتابة عنها في ظل مايشهده العراق من حروب عبر عقود عدة؟
__الفعل الروائي لايخرج جميلا من تحت ايدي المتنعمين، مالم يعيشوا حرمانا ما او يخضعوا لتجارب قاسية، مقترنة بوعي لايساير القطيع،وهو مثل البيضة التي لاتأتي مسلوقة تماما مالم يصل الماء في الحيّز الذي توضع فيه لدرجة الغليان الكاملة،وكانت كارثة احتلال الموصل من قبل مجاميع الارهاب هي الماء المغلي لاخراج البيضة بهار كاملة السلق كما ظهرت في طبعتها الاولى من دار ليندا للطباعة والنشر والتوزيع.

__ماهو الشئ الجديد والمغاير في رواية بهار؟أنا أقول أنه الحقيقة,فالرواية الحقيقية هي التي تحتاجها القراءة.
__أعتقد أن ماأكتبه ينتمي للمدرسة الواقعية النقدية،وقد وظفت ادوات مابعد الحداثة في موضوعة الزمن برواية بهار، فالقاريء لها سيجد ان لحظة الشخوص الحاضرة تختلط في المستقبل وتنهل من الماضي أو العكس،والرواية في الوقت الذي تحكي فيه عن قصة ثلاث فتيات عراقيات:بهار الأيزيدية وفيفيان المسيحية وآمال الشيعية ثلاثتهن طالبات يدرسن علم النفس في جامعة الموصل،ولكل منهن عالمها، وطقوسه الخاصة به،لكن الزمالة الجامعية، وتقارب الافكار جعلت منهن صديقات لايفرق بينهن شيئا، الا وقوعهن سبايا عند تنظيم داعش،ولكي ألم بحالتهن إستمعت لعشرات الشهادات ممن عاش المحنة وذاق مرارتها، وقرأت الكثير من المصادر عن ميثلوجيا الديانة الايزيدية، ونبشت كثيرا في كتاب الجلوة ومصحف رش المقدسين عند الطائفة الايزيدية،فهذه الرواية في الوقت عينه انما تحاكي واقعا حقيقيا لشخوص افتراضية نهلتها من مصادر المحنة وأجوائها.

__ماهي الكتابات التي تركت أثرها على الأستاذ عامر حميوّ؟
__عمري مع القراءة تجاوز الاربعين عاما ببضع سنوات اخرى،ومثل هذه المدة لايمكن احصاء عدد الكتاب الذين تركوا اثرهم فيَ وإستمرأت كتاباتهم، لكنني استطيع ان اقول ان محاكات نجيب محفوظ لبسطاء الناس وجريه وراء تناقضاتهم، ثم جنون نيكوس كزنتزاكيس، وحكمة ارنست همنكواي، وشقاوة ابطال حنا مينه، وتحريض مكسيم غوركي لمتمرديه، وتحرر شخوص نوال السعداوي، وقهر نساء ليلى عثمان، وكدح ابطال غائب طعمه فرمان وراء خبزة يومهم، وملاحقة اميل زولا لمنبوذي باريس، ثم طيبة الفلاح العراقي وبساطته في ماكتبه شمران الياسري، وسحق الانسان العربي تحت جزمة الدكتاتور في روايات عبد الرحمن منيف،واستنباط خبايا النفس البشرية بقبحها وجمالها عند دستويفسكي، وتخبط المثقف الواعي وحنينه لاطلال الوطن المفقود عند جبرا ابراهيم جبرا، والعيش مع ضنك الفدائي وتشرذمه بين عائلته والقضية التي نذر نفسه لها عند غسان كنفاني،ثم توظيف جغرافية جسد المرأة لنقد عهر الساسة العرب عند نزار القباني، والخوف من يد رجل الامن وسوط الجلاد عند احمد مطر،كلها كتابات لمؤلفين لازالوا يحتلون الصدارة في ذائقتي الادبية.

__وفي الأخير هناك روائيين عراقيين إستطاعو الفوز بجوائز عربية وعالمية,لأنهم وضعو الوطن وحقيقته الموجعة في صلب كتاباتهم,هل ترى بأن الرواية العراقية تعود لتأخذ مكانتها بين الروايات العربية؟
__بعد سنين من التعتيم على المؤلفات العراقية ومنع طباعتها مالم تحكي في مدح السلطان،وتلك حالة استمرت في العراق من نهاية السبعينيات حتى عام 2003انفتحت قريحة الكتاب العراقيين وقرائهم على خزين تجربة،فيها القمع السياسي،والحصار الاقتصادي الذي جعل الانسان يبيع حصير بيته من اجل لقمة عيشه،ثم هذا الكم الهائل من الحروب واعتاها كانت موجة الارهاب التي عصفت في النسيج الاجتماعي فظهرت اسماء كتاب عراقيون اثروا الساحة الادبية العربية بما خطته اقلامهم منهم على سبيل المثال لا الحصر: سنان انطون واحمد سعداوي وانعام كجه جي وحسن بلاسم وعلي بدر ومحسن الرملي، وآخرون غيرهم، استطاعوا ان يحصدوا جوائز عربيه وعالمية، وترجمت مؤلفاتهم لاكثر اللغات الحية،وأستطاعوا بفعلهم هذا مع غيرهم ان يعيدوا مجدا للرواية العراقية، إفتقدته لسنين، بين قريناتها العربيات.
للتواصل مع الكاتب:
https://www.facebook.com/AHHamioالفايس بوك

الجمعة، 13 يناير 2017

ماركيز ...الحياة في الأرض الصلبة


تلك الأرض التي تمسك بها ماركيز,وهو يعبر نحو الرواية,كحلمه الأول والطريق الأقرب لأمنياته,لذلك كان يتحدث عن الصحافة بأسف,كان يريد لهذه الشهرة أن يكون إسمها الصحفي, اكبر مما أن يكون الروائي,فإختارت له الأرض أن يكون عظيما بالصحافة كما في الرواية.
يرى ماركيز أن المقال الصحفي أفضل ماكتب في حياته,فهو يرى نفسه كصحفيا دوما,ذلك أن خبرته الصحفية التي بدأ بها حياته الكتابية هي التي مكنته من كل هذا النجاح في الرواية,"فالتحقيق الصحفي ليس فقط مساويا للحياة,بل هو أفضل من الحياة",بهذه العبارة كان ماركيز يرى الصحافة في حياته,لذلك كانت "قصة موت معلن"و"قصة غريق "تحتوي على الكثير من مكونات الإبداع الصحفي ,سرد واقعي عايش فيه ماركيز روح الشعب ,وتعمق داخل واقع حياة الناس الإجتماعية والسياسية,ولم يكن الأدب الرشيق الجميل الذي إستعمله ماركيز إلا ليعكس تلك المعاناة والألام التي يواجهها الشعب الكولومبي,إبان تلك الحقبة التاريخية.
ف"مائة عام من العزلة"تلك الرواية التي بها ماركيز حاز على جائزة نوبل ,كانت تحاول الهروب من الواقع الحقيقي نحو الواقع الأسطوري,لكن ماركيز تخلص من عزلته الخيالية ,لينقل لنا واقعا حياتيا بصورة مختلفة وبلغة أكثر جرأة ,ففي رواية"خريف البطريق"تحدث  بكل حرية عن الإستبداد والظلم وعن عزلة السلطة,وكان الكتاب الذي تمنى وقوعه دوما لأنه كان يشبه لغته الصحفية التي تخبرنا الوقائع والحقائق في مقالاته.
إن خصوصية روايات ماركيز تكمن في إمتلاكها لأسلوب أدبي غرائبي وواقعي ,شئ خاص به وحده,سرد يتدفق مثل الشعر,وكلمات تكتب مثل الأساطير, وأشياء كثيرة تحدث إنطلاقا من الواقع,لذلك كانت أهمية ماركيز الأدبية دوما هي الكتابة من فوق الأرض التي يسكنها الناس.
"ماذا يحدث حين تنتهي تقريبا من كتابة رواية؟
أفقد إهتمامي بها للأبد ,كما إعتاد همنجواي على القول :أنها تصبح أسدا ميتا".
بهذه الكلمات أجاب ماركيز عن سؤال يتبادر في ذهن كل قارئ له,لكن ماركيز كان يفتح لهذا القارئ بابا أخر ليدخل معه إلى الأرض  التي بناها بمخزونه الإبداعي,كان يريد منه أن يكون بطلا في كل رواية,وكانت القصة تحكي عن حياته الأخرى التي لم يعشها,ولأن كل قراءة لأدب ماركيز هي سربحد ذاته نبحث عنه دوما,لذلك إختار ماركيز في كل رواية له أن يحافظ على هذه الأرض وأن يعيش فيها حياة معلنا فيها أدبا جديدا خاصا به وحده ونادر لايشبهه أحد,ومدرسة بنيت على هذه الأرض لازالت تعطي لكل من يدخله تلك الخبرة والمعرفة واللغة , فكانت بمثابة  دوما حياة  ثانية له لم تنتهي بعد .
دولة بيروكي

الأحد، 1 يناير 2017

كل عام والبشرية تذهب إلى الموت:

كل عام والبشرية تذهب إلى الموت:
ونحن نعيش على شفا الحرب,نتبين حقيقة التغيرات الضخمة التي تجري في
الإنسانية,عندما  تفقد بصيصا يدل على المستقبل الوافد,وعندما نكون
داخلها,فإننا نعي أن الحرب كانت أبدا أعتى الأحداث وأوسعها تدميرا لكل
ماله قيمة إنسانية,فالكل يفقد حياذه,فيسعى الإنسان فيها لتجربة
القتل,وحتى العلم يتوسل به علماؤه لإختراع تلك الأسلحة الفتاكة والأكثر
تدميرا,ومابين حرب وحرب تنجر الإنسانية لتكشف شرورها المتبدية,عبر
ماتتدرع به من أهداف وماتستخدمه من وسائل,فكان نتاجها هو التدمير والسفك
عبر العصور.
أفصحت ذاكرة الحروب عن الوجه الحقيقي للإنسان,عندما قصفت هيروشيما
بالسلاح النووي رد ستالين معقبا على الإستخدام النووي الأمريكي ضد
اليابان قائلا:"الأسلحة النووية مجرد أداة الإرهاب ذوي الأعصاب
الضعيفة",ويمكن النظر للحرب العالمية الثانية أنها الحرب الأكثر فتكا في
تاريخ البشرية,حيث شهدت مقتل 80مليون شخص بين عامي 1939و1945,ولكن قبل
هذه الحرب,كان التاريخ يشهد عدة حروب وهجمات على البشر,من الصعوبة حصر
عدد القتلى فيهم,كحروب المغول التي شنت على منطقة أوراسيا,وأحد أمثلة
وحشية الحرب المغولية كان غزو بغداد,حيث قتل مايقارب مليون شخص داخل هذه
المدينة عندما شن المغول هجمات إستمرت سبعة أيام متتالية ,إبان الخلافة
العباسية ,مما أذى إلى سقوطها.
وإرتبط هذا القتل والتدمير الممنهج قديما بما يحصل حديثا بسوريا,فقبل خمس
سنوات تصدت الدول للثورة السورية,فتتبعت أسلوب الترهيب والتدمير في كل
مدنها,تغيرت ملامحها,وأصبحت مشوهة,تحولت معالمها إلى حطام,غابت مظاهر
الحياة داخلها,تفككت أسرها,في سوريا لربما أصبح من الممكن إكتشاف إختفاء
الإنسان ذاته من هذا الكون.
لما كان عدد سكان هذه الدولة إثنين وعشرون مليونا من البشر ,أصبح الأن
حسابهم يقدر ب ستة عشر مليون إنسان لازال متواجدا على أراضيها,رغم السماء
التي إختفت بفعل تراكم الطائرات فوقها والدخان.
ولأن الحروب تقاس بالحساب,فلقد إختفى منها أربعة ملايين لاجئ, مليونين
بين شهيد ومفقود,وبذلك أصبح لسوريا أن تكتب تاريخ العالم الذي في كل عام
يذهب بالبشرية إلى الموت ,فيقتل أحلامها ويهدم مستقبلها,فالقرية والطفل
يختفيان في المدينة على أرضها,والهياكل العظمية تتوزع بفعل الحصار تارة
وبفعل النار تارة أخرى,فتصبح شاهدة على بشاعة الأمم وإنتكاس
إنسانيتها,والأشجار محروقة,والمزارع سوداء,وكل الأرض رماد,ومابقي من
الإنسان يغادرها عبر البحر,فالبحر عبارة عن دماء تصبغ شواطئ العالم ,وفي
إنعدام الضمير الإنساني,أصبحت الإنسانية مرهونة بالسلاح الأكثر فتكا في
العالم,فمابعد صمتها في سوريا على جرائم الإبادة ,يؤكد أنها لن تقوم لها
قائمة.
ففي حلب وحدها فقط تدور الحرب المدمرة,منذ أزيد من عام والمدينة في
حصار,وسكانها بين القتل والتهجير,عدد سكانها غير ثابت ,فنسبة 300ألف
نسمة,تترواح بين شهيد ونازح ومحاصر,فتقف بذلك, هذه المدينة في أواخر
نهاية عام 2016 شاهدة أمام التاريخ ,على إبادة جماعية منظمة وجرائم ضد
الإنسانية حسب التوصيف الدولي فيها,على حرق الإنسان داخل سيارات
الإسعاف,وعلى قتل الأطفال داخل مستشفيات العلاج,على القصف بكل أنواع
الأسلحة,وعلى غياب أبسط حقوق الإنسان,فهل سيغفر أهلها للعالم هذا العقاب
النادر لهم في التاريخ؟وهل ستسقط حلب لأنها فقط تروي قصة حرب لم تكن
وليدة الأمس بقدر ماهي وليدة حقد وشر على البشرية جمعاء.
لكل زمن كانت هناك حرب,ولكل صفحة في التاريخ هناك سرد لقصة هذه
الحرب,وقبل خمسة أعوام فقط بدأت كتابة التاريخ العربي والعالمي بدم
سوري,قصة حرب لم تنتهي ,فكلما أغمض عام ,بدا العام المقبل أشد قتاوة من
الذي قبله,وبدا أن تعداد البشر الذين يموتون في الحرب ,ينهي أمال عدة
ويقتل أحلام بعيدة حتى و إن كانت بسيطة كمجرد حياة.
دولة بيروكي