السبت، 14 يناير 2017

حوار أجريته مع الكاتب عامر حميو:

"بهار"رواية من داخل الحرب
تعتمد الكتابة الروائية عن الحرب,صورة واقعية نستشف من خلالها عمق المأساة التي يعاني منها إنسان هذه الحرب,فالدلالة التي تأتي إلينا عبر ما راكمته هذه التجربة الإنسانية من أحزان وألام,نحاول وفقها إدراك البعد الأيقوني والجوهري للشخصيات في الرواية,كما تمدنا بأحداث وتفاصيل قد تكون مغيبة عن الرأي العام ,لكنها في الرواية هي قراءة حقيقية لوقائع الحرب ,بمميزات جمالية للرواية.
((تحركت أكرة الباب واطل رأس أشعث, تدلت منه حزمة ضفائر شعر أسود لف بعصابة من جبهة الرأس, واختلط أسفل ذؤابات الضفائر بشعر اللحية المنفوش, وانفرجت شفتا فمه عن صف أسنان, بدت صفراء كلون السماء المغبرة, كانت نظراته مركزة على أيديهن المتشابكة فوق رؤوسهن.
دفع الباب بركبته وبدت إحدى يديه ممسكة ببندقية, وجّه ماسورتها باتجاه مكانهن,ثم تقدم بحذر نحوهن, مثل قط يحاصر فأرا,وأطلت رؤوس من وراءه ترقب المشهد بحذر مثله. وقال أحدهم بنشوة فرح:
- أبو براء..كأني أشم رائحة سبايا)) .رواية بهارص23
من هنا بدأت ماساة بهار,فتاة أيزيدية تتعرض للخطف والإغتصاب في الحرب القائمة بالعراق,هذه الرواية تعتبر أول عمل لكاتبها المؤلف العراقي عامر حميوّ, وحتى يضعنا في صورة إنتاجه الأول وتجربته مع الكتابة بشكل عام كان معه هذا اللقاء:
__القارئ يريد أن يعرف من هو عامر حميوّ الكاتب والإنسان؟
__عامر حميوّ عراقي من محافظة بابل،تولد العام 1964حاصل على الدبلوم في المحاسبة.تقاسمت مع الملايين من العراقيين الظيم والقهر والبطش وإستلاب الحرية والعوز والعري كل سنين الحصار وقبلها سني القمع الفكري في ثمانينيات القرن المنصرم،أوجدت لي مثل غيري خزين تجربة مؤلمة لو تسنى لغيري ان يمتلك ناصية الرسم بالكلمات لكنت ازاء وصفه مثل نقطة في بحر، فبقدر المأساة التي تقع يكمن داخل كل انسان اروع الروايات.  

__الكتابة الأولى دائما تعيدنا للكتابة مرات عدة حتى نتأكد من جماليتها,ماهي تجاربك الكتابية ومحاولات كتابتك الأولى؟
__ولدت في بيت يمتلك مكتبة ثرية في الرواية والقصة القصيرة والبحوث ودواوين الشعر وكتب اخرى عن علم الاجتماع وعلم النفس،فصادقت الكتاب، ومنحني الرفقة وانا ابن العاشرة من عمري،وفي الوقت الذي كان فيه اقراني يتمنون ان يكونوا اطباء ومهندسين ومدرسين وطيارين،أنا تمنيت ان أكون قاصا وروائيا،وفي عمر الخامسة عشر جربت ان اكتب القصة القصيرة،لكني بعد هذا الوقت بسنوات قليلة،انضممت لتنظيم سري يعنا بالادب والفكر ويحارب ايديولوجية السلطة وقمعها الفكري في زمن الثمانينيات،واعتقلت بعد سنة ونصف انا وكل المجموعة فأضيف لمخزون تجربة الصغير بعدا آخر إسمه عالم مواجهة الذات وحيدا،منحني خزين صورعن بشاعة ظلم الحاكم وجبروته،إزاء من يعارضه حتى فكريا،وانا لهذا اليوم ادين لتلك التجربة بالعرفان لانها ابعدتني لاحقا عن التغني بالذات ونرجسيتها،فزخرت اقاصيصي التي نشرت لاحقا بقدرة فائقة على وصف الالم عند الاخرين،بعد الاعتقال توقفت بضع سنوات عن الكتابة،لكني لم افارق رفيقي الكتاب ابدا، ثم في العام 1986 لاحظت ان اسلوبي في الكتابة بدأ بالنضج والتماسك،فكتبت قصة قصيرة في الادب الانساني،موضوعتها الحرب،قدمتها لمجلة الطليعة الادبية فاشترطوا لنشرها ان أسمّي الابطال ببلدانهم حتى يضيفوني لما كان يطلق عليه في ذلك الحين(ادباء قادسية صدام)،اخذت قصتي ولم انشرها،وشائت الظروف ان تَنجو القصة كل مدة طمر كتب مكتبتي تحت تراب الارض،خوفا من السلطة،والقصة لازالت بحوزتي سالمة مع اقاصيص اخرى سانشرها قريبا في مجموعة قصصية.

__هل كانت بهار تنتظر كل هذا الوقت للكتابة عنها في ظل مايشهده العراق من حروب عبر عقود عدة؟
__الفعل الروائي لايخرج جميلا من تحت ايدي المتنعمين، مالم يعيشوا حرمانا ما او يخضعوا لتجارب قاسية، مقترنة بوعي لايساير القطيع،وهو مثل البيضة التي لاتأتي مسلوقة تماما مالم يصل الماء في الحيّز الذي توضع فيه لدرجة الغليان الكاملة،وكانت كارثة احتلال الموصل من قبل مجاميع الارهاب هي الماء المغلي لاخراج البيضة بهار كاملة السلق كما ظهرت في طبعتها الاولى من دار ليندا للطباعة والنشر والتوزيع.

__ماهو الشئ الجديد والمغاير في رواية بهار؟أنا أقول أنه الحقيقة,فالرواية الحقيقية هي التي تحتاجها القراءة.
__أعتقد أن ماأكتبه ينتمي للمدرسة الواقعية النقدية،وقد وظفت ادوات مابعد الحداثة في موضوعة الزمن برواية بهار، فالقاريء لها سيجد ان لحظة الشخوص الحاضرة تختلط في المستقبل وتنهل من الماضي أو العكس،والرواية في الوقت الذي تحكي فيه عن قصة ثلاث فتيات عراقيات:بهار الأيزيدية وفيفيان المسيحية وآمال الشيعية ثلاثتهن طالبات يدرسن علم النفس في جامعة الموصل،ولكل منهن عالمها، وطقوسه الخاصة به،لكن الزمالة الجامعية، وتقارب الافكار جعلت منهن صديقات لايفرق بينهن شيئا، الا وقوعهن سبايا عند تنظيم داعش،ولكي ألم بحالتهن إستمعت لعشرات الشهادات ممن عاش المحنة وذاق مرارتها، وقرأت الكثير من المصادر عن ميثلوجيا الديانة الايزيدية، ونبشت كثيرا في كتاب الجلوة ومصحف رش المقدسين عند الطائفة الايزيدية،فهذه الرواية في الوقت عينه انما تحاكي واقعا حقيقيا لشخوص افتراضية نهلتها من مصادر المحنة وأجوائها.

__ماهي الكتابات التي تركت أثرها على الأستاذ عامر حميوّ؟
__عمري مع القراءة تجاوز الاربعين عاما ببضع سنوات اخرى،ومثل هذه المدة لايمكن احصاء عدد الكتاب الذين تركوا اثرهم فيَ وإستمرأت كتاباتهم، لكنني استطيع ان اقول ان محاكات نجيب محفوظ لبسطاء الناس وجريه وراء تناقضاتهم، ثم جنون نيكوس كزنتزاكيس، وحكمة ارنست همنكواي، وشقاوة ابطال حنا مينه، وتحريض مكسيم غوركي لمتمرديه، وتحرر شخوص نوال السعداوي، وقهر نساء ليلى عثمان، وكدح ابطال غائب طعمه فرمان وراء خبزة يومهم، وملاحقة اميل زولا لمنبوذي باريس، ثم طيبة الفلاح العراقي وبساطته في ماكتبه شمران الياسري، وسحق الانسان العربي تحت جزمة الدكتاتور في روايات عبد الرحمن منيف،واستنباط خبايا النفس البشرية بقبحها وجمالها عند دستويفسكي، وتخبط المثقف الواعي وحنينه لاطلال الوطن المفقود عند جبرا ابراهيم جبرا، والعيش مع ضنك الفدائي وتشرذمه بين عائلته والقضية التي نذر نفسه لها عند غسان كنفاني،ثم توظيف جغرافية جسد المرأة لنقد عهر الساسة العرب عند نزار القباني، والخوف من يد رجل الامن وسوط الجلاد عند احمد مطر،كلها كتابات لمؤلفين لازالوا يحتلون الصدارة في ذائقتي الادبية.

__وفي الأخير هناك روائيين عراقيين إستطاعو الفوز بجوائز عربية وعالمية,لأنهم وضعو الوطن وحقيقته الموجعة في صلب كتاباتهم,هل ترى بأن الرواية العراقية تعود لتأخذ مكانتها بين الروايات العربية؟
__بعد سنين من التعتيم على المؤلفات العراقية ومنع طباعتها مالم تحكي في مدح السلطان،وتلك حالة استمرت في العراق من نهاية السبعينيات حتى عام 2003انفتحت قريحة الكتاب العراقيين وقرائهم على خزين تجربة،فيها القمع السياسي،والحصار الاقتصادي الذي جعل الانسان يبيع حصير بيته من اجل لقمة عيشه،ثم هذا الكم الهائل من الحروب واعتاها كانت موجة الارهاب التي عصفت في النسيج الاجتماعي فظهرت اسماء كتاب عراقيون اثروا الساحة الادبية العربية بما خطته اقلامهم منهم على سبيل المثال لا الحصر: سنان انطون واحمد سعداوي وانعام كجه جي وحسن بلاسم وعلي بدر ومحسن الرملي، وآخرون غيرهم، استطاعوا ان يحصدوا جوائز عربيه وعالمية، وترجمت مؤلفاتهم لاكثر اللغات الحية،وأستطاعوا بفعلهم هذا مع غيرهم ان يعيدوا مجدا للرواية العراقية، إفتقدته لسنين، بين قريناتها العربيات.
للتواصل مع الكاتب:
https://www.facebook.com/AHHamioالفايس بوك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق