تلك الأرض التي تمسك بها ماركيز,وهو يعبر نحو الرواية,كحلمه الأول والطريق
الأقرب لأمنياته,لذلك كان يتحدث عن الصحافة بأسف,كان يريد لهذه الشهرة أن يكون
إسمها الصحفي, اكبر مما أن يكون الروائي,فإختارت له الأرض أن يكون عظيما بالصحافة
كما في الرواية.
يرى ماركيز أن المقال الصحفي أفضل ماكتب في حياته,فهو يرى نفسه كصحفيا
دوما,ذلك أن خبرته الصحفية التي بدأ بها حياته الكتابية هي التي مكنته من كل هذا
النجاح في الرواية,"فالتحقيق الصحفي ليس فقط مساويا للحياة,بل هو أفضل من
الحياة",بهذه العبارة كان ماركيز يرى الصحافة في حياته,لذلك كانت "قصة
موت معلن"و"قصة غريق "تحتوي على الكثير من مكونات الإبداع الصحفي
,سرد واقعي عايش فيه ماركيز روح الشعب ,وتعمق داخل واقع حياة الناس الإجتماعية
والسياسية,ولم يكن الأدب الرشيق الجميل الذي إستعمله ماركيز إلا ليعكس تلك
المعاناة والألام التي يواجهها الشعب الكولومبي,إبان تلك الحقبة التاريخية.
ف"مائة عام من العزلة"تلك الرواية التي بها ماركيز حاز على جائزة
نوبل ,كانت تحاول الهروب من الواقع الحقيقي نحو الواقع الأسطوري,لكن ماركيز تخلص
من عزلته الخيالية ,لينقل لنا واقعا حياتيا بصورة مختلفة وبلغة أكثر جرأة ,ففي
رواية"خريف البطريق"تحدث بكل حرية
عن الإستبداد والظلم وعن عزلة السلطة,وكان الكتاب الذي تمنى وقوعه دوما لأنه كان
يشبه لغته الصحفية التي تخبرنا الوقائع والحقائق في مقالاته.
إن خصوصية روايات ماركيز تكمن في إمتلاكها لأسلوب أدبي غرائبي وواقعي ,شئ
خاص به وحده,سرد يتدفق مثل الشعر,وكلمات تكتب مثل الأساطير, وأشياء كثيرة تحدث
إنطلاقا من الواقع,لذلك كانت أهمية ماركيز الأدبية دوما هي الكتابة من فوق الأرض
التي يسكنها الناس.
"ماذا يحدث حين تنتهي تقريبا من كتابة رواية؟
أفقد إهتمامي بها للأبد ,كما إعتاد همنجواي على القول :أنها تصبح أسدا
ميتا".
بهذه الكلمات أجاب ماركيز عن سؤال يتبادر في ذهن كل قارئ له,لكن ماركيز كان
يفتح لهذا القارئ بابا أخر ليدخل معه إلى الأرض
التي بناها بمخزونه الإبداعي,كان يريد منه أن يكون بطلا في كل رواية,وكانت
القصة تحكي عن حياته الأخرى التي لم يعشها,ولأن كل قراءة لأدب ماركيز هي سربحد
ذاته نبحث عنه دوما,لذلك إختار ماركيز في كل رواية له أن يحافظ على هذه الأرض وأن
يعيش فيها حياة معلنا فيها أدبا جديدا خاصا به وحده ونادر لايشبهه أحد,ومدرسة بنيت
على هذه الأرض لازالت تعطي لكل من يدخله تلك الخبرة والمعرفة واللغة , فكانت
بمثابة دوما حياة ثانية له لم تنتهي بعد .
دولة بيروكي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق