كان وهما،كان وهما،هذه العبارات لطلما تردد صداها في أنحاء قرية الجبل عن ذلك البيت المهجور،منذ زمن طويل من طرف أفراده.
كانت تتكون أسرة ذلك البيت من أربعة أفراد الأب والأم زينب والأختان عائشة ونوال،كانتا لاتفترقان عن بعض وكأنهما توأمان،فالأخت عائشة أكبر من نوال بعام فقط،ولكنهما متسابهتان في كل شئ،حتى في قسمات الوجه وأنواع اللباس،ولقد سر ذلك الأبوان فأحبهما كثيرا،وفي يوم من ادأيام مرض الأب مرضا شديدا،وقد ظل على إثر ذلك طريح الفراش لعدة أشهر حتى وافته المنية،وأما الأم فقد إشتغلت في البيوت والمزارع لتوفر لبناتها لقمة العيش ومصارف الدراسة،ولأنها كانت عبئا كبيرا على الأم،إضطرت عائشة أن تضحي وتخرج من المدرسة في المرحلة الثانوبة،لتترك لأختها أن تكمل طريقها بكل أمل.
ونوال كانت تستذكر التضحيات،وبأن الكل في إنتطارها لتنجح وتتفوق ،لعلها تغير مسار العائلة التي بدت عليها ملامح الفقر.
ظلت الأم تخدم من منزل إلى منزل وتنتقل من مزرعة إلى أخرى،حتى مرضت في أحد الأيام حيث كانت تحمل كيس قمح ثقيل تعثرت به على الطريق،فسقط على ظهرها،ليكسره ويجلسها طريحة الفراش.
هذا الحادث جعل عائشة تخرج للعمل نيابة عن أمها،وهي التي حملت من الجمال الكثير والرقة التي تبهر جميع سكان القرية.
وفي أول يوم للعمل،ذهبت عند أبو عامر الخضراوي،والذي يعرف كل صغيرة وكبيرة في القرية،ليدلها على بيت له حاجة بخادمة،وقد كان نصيبها جيدا،حيث أن طبيب القرية قد مر من قبلها على أبو عامر وأوصاه بخادمة للبيت والعيادة.
ذهبت بسرعة إلى العيادة وقد وجدته جالسا شاردا ،يقرأ في إحدى الروايات فأحدثت صوتا ليشعر بوجودها،فإنتبه لها،وكان الإرتباك باديا على وجهه من أو نظرة،تعارفا جيدا،وفي تعارفهما كان إحساس خفي يدخل إلى قلب الطبيب،وكأن شيئا جميلا وقع.
بدأت عائشة العمل في بيت الطبيب حامد،وأنهت العمل مبكرا وبإخلاص،حينما رجع عامر للبيت كانت هي تتأهب للخروج،طلب منها أن تشاركه العشاء،لكنها رفضت وتحججت بوالدتها.
وفي الطريق ظلت نظرات عامر تغمرها بإحساس جديد ،يتداخل مع ٱلامها،لينتزع الألم ويصنع الفرح.
كانت تحمل في يدها،نتاج عملها،الأكل والنقود لعلاج أمها،وصلت لباب البيت وكانت تدق الباب كالمجنونة_ربما من فرح الحب_فتوجست لماذا لاتفتح نوال!
عاودت الدق مرات،فصرخت على الجيران ليكسرو الباب،فدخلت عائشة بسرعة لغرفة والدتها،فوجدتها ميتة وبجانبها نوال،فتعطر البيت حزنا شديدا وتسألت ،كيف ماتا!ولماذا!،،من أسئلة الغياب التي يصنعها.
عائشة الأن وحيدة في المنزل،ذاكرتها مليئة بالألم،وكل ركن في ذلك المنزل البسيط هو للحزن للذكريات الفرح.
لم تقوى على مجابهة الوحدة والذكريات في المنزل ،وطلبت من الطبيب حامد أن تنهي عملها ثم تنام في العيادة،بين كتبه لعلها تنسى الوحدة.
حامد كان يراجع حادثة الوفاة بإنتباه،فوجد عن المشرحة سلسلة كانت ترتديها نوال في رقبتها،عرضها على عائشة ليستفسر عن وصولها لنوال ،فأجابته:لم يكن عندنا مانشتري به الزينة،كنا بالكاد نوازي بين لاوازم البيت ودواء أمي..
ظل حامد يعيد ذاكرة الماضي لهذا البيت،الذي تسكنه عائلة عائشة وهو منزل كريه في القرية ،فالكل يتخوف منه بسبب الأشباح،هكذا قال سكان القرية.
كانت الأسرة التي تسكنه تتكون من إبنة ووالدتها،توفيا بحالة حريق،لم تظهر فيه أجسامهما،ممازاد في شك الطبيب عامر.
فذهب لشيخ القرية يسأل عن الأشباح هل تقتل،فأجابه الشيخ:إنها تقتل الذي يتعدى عليها.
باغته سؤال إلى الذهن ترا كيف تعدت هذه الأسرة على شبح صفية ووالدتها.
في تلك الليلة كانت نوال تقرأ،وإذا بصوت فأر في المطبخ يجوب المكان،تتبعت الصوت،ليدلها على حفرة في داخله،وإذا بسلسلة صفيه التي أهدت لها والدتها في يوم زواجها،أخذتها نوال لتضعها في يدها،فأحست بشئ،يستدخل جسمها،تحول صوتها مع الأم،كانت تردد:أمي أنت من قتلني.
ظلت الأم خائفة تتوجس مالذي وقع لنوال ،لماذا تستصرخ بهذه العبارات،وبقيت تناديها بالمجيئ لكن نوال لم تأتي،تغيرت كثير في أقل ساعة،لم تعد تعرف أمها،فذهبت إلى غرفتها ،فكان الصوت الذي بداخلها يقول:أقتليها،،،
فعلا نوال أمسكت برقبة والدتها لتخنقها،بدون شعور،ماتت الأم بين يدي إبنتها.
ومن دون آن تشعر أيضا ،ماتت نوال على يد شبح صفية..
في صباح يوم جديد من عمل عائشة في العيادة،كان حامد في طريقه لها،فتفجأ بالباب مفتوحا،بحث عن عائشة في غرف العيادة ولم يجدها،وبينما سقطت عيناه على الكتاب الذي كانت تمسك به عائشة،وجد في داخله عقد صفية.
ذلك العقد الذي تخلصت منه عائشة لأنه ،يفتح ذاكرتها على الموت،فقد رمته في
بحيرة القرية.
وهو ماجعل حامد يفكر في الذهاب للبيت المهجور،ركب سيارته مسرعا،وصل للبيت ،حاول فتح الباب لكنه لم يسطع،فرأى غصن الشجرة مرميا،حطم به زجاج النافذة ،ليقفز داخل البيت،الذي وجد النار تلتهم كل أثاثه،وهناك فوق العمود،كانت عائشة معلقة،أسرع لينقدها بدون جدوى،حتى النار كانت تزداد كلما حاول إطفائها،إلتفت يمنة ويسرة ليس هناك مهرب من النار،تذكر حديث الشيخ عن هذا العقد:إن هذه الأشباح تغادر المكان حينما تحمل بقايا أشيائها.
أدخل يده في جيبه،فرمى بالعقد في النار بعيدا عن باب المنزل،ورأى أن النار قد إجتمعت على مكان واحد كالزوبعة في إجتماعها،فقطع الحبل الذي يربط عائشة،فحملها مسرعا خارج البيت إلى العيادة.
إنتهى النهار وعائشة ممدة على الفراش،لما إستفاقت من وعيها ،لاتذكر شيئا إلا تلك المرأة التي دقت الباب تريد الماء،وأخذت تبكي وتصرخ تذكرا لأمها،ولكن الطبيب حامد قام بتهدئتها وحكى لها حقيقة البيت التي تسكنه وكيف ماتت نوال وأمه وكادت هي أن تموت بسبب شبح صفية.
فكرت على أن تسافر خارج القرية لتكمل دراستها وتعمل أيضا،وفي قرارها هذا وقع على الطبيب عامر الذي تحركت مشاعره بإتجاهها،وأحس بالحب إتجاهها من أول نظرة أربكته،فعرض عليها الزواج منه،فقبلت عائشة،وتزواجا في القرية،ومالبثا أن غدارا إلى المدينة ،فعمل على عودتها لتستكمل دراستها بقربه وكانت حياتها رغيدة وسعيدة وكلما تذكرت سعادتها قالت :شكرا لك ياشبح صفية.
الأربعاء، 16 مارس 2016
شبح صفية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق