٢٠١٥عام غادرتنا فيه الانسانية
في منتصف الطريق الواصلة بين الشام و الصحراء،كانت تسمى الصفة لاجئ كما يحلو للناس ان يسموها،أو كما فرضها الواقع الساقط،حسب المستندات الرسمية لبدايات هذه الصفة،والتي بدأت بفلسطين،واستمرت حتى وصلت أهلي في الصحراء الغربية ثم أخيرا اصبح المشهد سوريا.
غير بعيد عن الطريق،إلتقيا إيلان ومحمد ،هذا الأخير يدافع عن ارض ظلت محتلة أربعين عام،يعيش في منفى الارض الرملية تندوف،تتناثر الخيم عليها،١٩٠ ألف لاجئ صحراوي،يعانون صيفا قائظا الى خريف جارف،جاءت نتيجة احتلال وقتل وتدمير،لوطنه الصحراء الغربية سنة ١٩٧٥،اجتياح بربري تابعه اجتياح همجي اطلق عليه المسيرة الخضراء،ادى الى تهجيره وشعبه خارج الوطن،محملا بحقائب اوجاعه،وحاشرا فيها مافي خزائنه من عمره الصغير،ومافي أدراج الذاكرة من ألم ،ألبوم صور،كتبا،هدايا كانت ذكرى،ووجوه من أحبهم،ورسائل كتبت له،أخر نظرة لجارته العجوز,وقبلات صغار الحي الذين سيكبرون من بعده.
واضعا قدمه في فضاءات الأوجاع والأحزان،فلا يصل الى الى الوطن غير صدى أنين الخيمة التي زراها البحر يوما،لتطفو على ممرات طين المخيم،حكايات وجوه معذبة السنين،قد طال انتظارها لشمس فجر الحرية،التي تعزف للطفل الصغير اغنية الفرح الاكبر بالبحر حتى وإن زراه غرقا.
وأما طريق إيلان،فابتدأت بأمنية محمد،كانت الحياة في بيته السوري بسيطة،عائلة وارض ودراسة،فجأة اشتعلت النيران في كل مكان،غادر الفرح مكان ارضه،اصبح الدم هو النهر الذي يجري في شلالات الشام،فبدأت رحلته للبحث عن الأمان،فقرر أن يركب البحر هو وإبنه مروان،وصل إيلان الى إيجه بتركيا حيا،وظل يلتحف كيس أزبال ليحميه من المطر ،في انتظار المساء ليعبر لليونان،فإستغرقت الرحلة يوما،وفي مساء اليوم الموالي وعندما إقترب القارب من شواطئ اليونان،تعطل المحرك،فبدأ الماء يتسرب،وبدأ مروان ذو الأربع سنوات يستصرخ اباه لاتمت،والأب يحاول الدفع به ليطفو فوق الماء كي لايغرق،الا أن إرتطام القارب القوي بجرف جعله يسقط في عمق البحر،ماإن نزل ايلان لإنقاذ إبنه حتى وجده يلفظ انفاسه الاخيرة،ودع إيلان مروان وهو يقول "سنلتقي"،فقدر السوريين ان يموتو على الارض ليلتقو في السماء لقاء الشام الاخير.
مابين الطريقين،بشرية سقط منها اثنتا مليون لاجئ سوري،لايعرف شهيدهم من مفقودهم،وفي المشهد الاخر لاجئ منسي يعاني بألم خفي،يموت الكبير فيه ويبقى الصغير حامل همه،مابين الطريقين تواصل الانسانية كتابة العالم الجديد في كل عام،وان اختصرت المشهد مابين أرضي وسوريا،ففي بورما يحرق المرء حيا،وفي السودان يموت الانسان على اساس العرق،وفي الصومال تبيت الاف الاسر بلا مأكل أو مأوى،وفي العراق القتل طائفي،وفي جزر القمر لايوجد ماء،إننا نمشي ببطئ إذن لنقتل المستقبل،أو نرجع بسرعة لأيام الجاهلية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق